أعلن رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، موافقته على مبادرة نظيره السوداني عمر البشير، وتقضي بالتقاء كير مع زعيم المعارضة الجنوبية د. رياك مشار في العاصمة الخرطوم. وتلعب الخرطوم أدواراً رئيسة في حفظ استقرار دولة جنوب السودان، منذ مضيها قدماً في خطة لتطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدةالامريكية وتتضمن اشتراطات بالتخلي عن إثارة المشكلات داخل الدولة الوليدة، وهو ما قد يدفع إلى الظن بأن المبادرة تحظى بمباركة واشنطن. وحتى قبيل المضي في هذا المسار، أعلنت الخرطوم اعتزالها لعب أدوار سالبة في الإقليم ودول الجوار على نحو خاص ومضت في مسارات دبلوماسية تتسم بالاتزان سواء في المنطقة أو حتى عالمياً. ويرى مراقبون أن مبادرة البشير لجمع الأطراف الجنوبية تأخرت قليلاً بسبب المفاتيح العديدة التي تملكها الخرطوم، ويمكن أن تسرع وتائر الحل هناك، ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. ورغم انفصال الجنوب في العام 2011 إلى أن مصالح البلدين ظلت مترابطة للغاية، حيث تجمع بينهما مصالح كثيرة على نحو البترول والتجارة ومياه النيل كما وتجمعهما المشاكل وعلى رأسها مشكلات تبادل الاتهامات بشأن إيواء المعارضة المسلحة ضف إلى ذلك القضايا العالقة وعلى رأسها أبيي والحدود. المضي في المسار يذكر أستاذ العلوم السياسية، د. حسن مكي، بالاشتراطات الأمريكية المضمنة في أجندة الحوار (الأمريكي – السوداني) وتشمل لعب أدوار لحفظ الأمن في دولة جنوب السودان. ومن ثم قال ل (الصيحة) إن ذلك يعني أن الحكومة ماضية في هذا الاتجاه لتحقيق مكاسب داخلية ذات صلة بالجارة الجنوبية. ويواصل مكي قائلاً إن العلاقة التي تربط الخرطوم وجوبا سياسيًا وجغرافيًا تجعل من كل طرف في احتياج للآخر، بينما تظل أمور ينبغي على الحكومة السودانية التحضير لها بشكل جيد ومنها مراعاة حجم التقاطعات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية في الجنوب السوداني. عامل الثقة أشاد المراقب الجنوبي والمحلل السياسي، د. ديفيد ديشان، بما أقدمت عليه الخرطوم من مبادرة لجمع الأطراف الجنوبية، ولكنه أشار في حديثه ل (الصيحة) بضرورة توفر عامل الثقة حيث بات الجميع غير واثق في حكومة الرئيس سلفاكير لما تقوم به من انتهاكات تطال الجنوبيين وتشمل القتل والتشريد وأدت إلى نزوح ملايين الجنوبيين إلى دول الجوار وفي مقدمتها السودان. متوقعا أن تقود مبادرة الرئيس البشير إلى فتح مسار جديد في علاقات البلدين، فضلا عن إعطاء دوافع للاستمرار في التفاوض على مستوي مجموعة دول " ايقاد" لإنهاء الحرب في الجنوب. معتبرًا أن حل الأزمة الجنوبية يكمن في الاتفاق حول فترة انتقالية يشرف ويرعاها المجتمع الدولي والإقليمي لانفاذ بنود وقضايا معينة مع توفير ضمانات كافية لالتزام نظام كير بما هو وارد في الاتفاقات المبرمة. تطمينات يوضح د. حسن عابدين أن من أسباب توجه الخرطومجنوباً هو تطمين المخاوف الجنوب سودانية بأن الشمال لا ينتوي الإضرار بالجنوب، إضافة لوقف الأطماع التي تبديها دول تحيط بالجنوب وقد تسعى إلى تخريب علاقاته مع السودان لضمان استمرار مصالحهم في الأراضي الجنوبية. موضحاً في حديثه ل (الصيحة) بأن في مقدور السودانيين لعب أدوار مهمة في حلحلة المشاكل في الجنوب وبقدرة تفوق دول إيقاد مجتمعة، لا سيما والخرطوم قد كسبت مؤخراً المجتمع الدولي الذي بات ينظر لها بكثير من التقدير. بلا خطف تثور تساؤلات ما اذا كانت الخرطوم تنتوي السيطرة على ملف الجنوب، بنزعه من يد الإيقاد. ونشير هنا إلى حديث مصدر في وزارة الخارجية تحدث ل (الصيحة) بعد أن طالب بحجب اسمه، بنفيه القاطع أن تكون الخرطوم ماضية في هذا الاتجاه، وقال إن المبادرة تقوم على حسن النوايا، وعلى جمع (كير – مشار) دون فرض أي نوع من الوصاية، معلناً تثمينهم التام لمبادرات إيقاد العديدة لإحقاق السلام في الجنوب. وقال المصدر أن مبادرة البشير تأتي إكمالاً لما ابتدرته إيقاد ولا يتقاطع معها ذلك مطلقاً، مضيفاً بأن مخرجات اللقاء سيتم توصيلها للمنظمة، آملاً أن ينتهي اللقاء بإحداث اختراق يغير المشهد الجنوبي من الحرب إلى السلام. مصالح بلا حدود المؤكد أن قطاف حل المشكل الجنوبي يعود إلى السودان بكثير جداً من الثمرات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تسجيل هدف في مرمى القادة الجنوبيين يدفعهم لعدم التعرض للخرطوم مستقبلاً، وفي وقتٍ ستتوقف حركة اللجوء الكثيفة فإن التجارة الحدودية ستنساب بسلاسة، وكذلك البترول المنتج في مناطق نفوذ مشار وذلك من شأنه انعاش الاقتصاد السوداني. كما أن ظهور السودان بمظهر حمامة السلام سيؤدي إلى تغيير الذهنية العدائية التي أفضت إلى الانفصال في العام 2011م وقد يساعد ذلك في حل المشكلات العالقة دون حل منذ سنوات. أما عوائد السلام في الجنوب فلا حصر لها، وفي مقدمتها أن الاستقرار يسهم في رتق النسيج المجتمعي الممزق، وينعش الاقتصاد المحلي، لبلد كان ينتظر فلاحه فإذا به يتجه إلى الفشل بسرعة الصاروخ.