بارك الله في الست هيلاري كلينتون. قررت أخيراً أن تقول الحقيقة. وليس هناك أفضل من الحقيقة! هيلاري كلينتون زوجة الحبيب بيل كلينتون والمرشحة الرئاسية الأمريكية المنهزمة في انتخابات 2016 أمام المرشح الجمهوري، نسيج وحده، دونالد ترامب، تمكنت أخيراً من امتصاص صدمة الهزيمة واستيعاب وتقبّل حقائق الأشياء كما تنتصب أمامها على أرض الواقع. وبكل الموضوعية التي تعرف عن الفرنجة عندما يجلسون في هدوء لإجراء عمليات تقدير الموقف ومراجعة الاحتمالات وتقييم الفرص السياسية المستقبلية فإن هيلاري توصلت إلى أن تاريخها السياسي قد آذن بأفول وأن فرصها في الحصول على كرسي المكتب البيضاوي في شارع بنسيلفانيا حيث يجلس رؤساء الدولة الأقوى في العالم قد انعدمت تماماً بسبب عوامل شاخصة وراسخة أجمع عليها المحللون السياسيون في الولاياتالمتحدة وأدركتها السيدة الفضلى تماماً. وبارك الله فيمن عرف ما له وما عليه، وتقبل قضاء الله وقدره. وربما لهذا قررت المسز كلينتون أن الوقت قد حان لتجهر ببعض أفكارها ورؤاها وآرائها الحقيقية حول مجريات الأحوال في بلدها الأمريكي وفي العالم الغربي بصفة عامة. ومن بينها أفكار ورؤى ومواقف طالما استخفت بها هذه السياسيَّة الأمريكية الثعلوبة طوال عمرها السياسي، بل وظلَّت تنطق بعكسها بثبات وثقة تحسدان عليها. تؤمن بشيء وتنطق بغيره. ومن طلب مجد الحكم عند الفرنجة استخفى بدينه! ظلت هيلاري كلينتون في مواقفها المعلنة وحملاتها الدعائية منذ تسعينيات القرن الماضي تجاهر بأنها نصيرة المهاجرين وتعلن بأنها ترفض القوانين التي تحارب القادمين الجدد إلى الدنيا الجديدة، وتطالب بإتاحة الفرص لهم لتحقيق ما يسمونه هناك ب(الحلم الأمريكي). وفي ضوء ذلك الموقف الأخلاقي الرفيع حصدت مدام كلينتون ملايين الأصوات. وكان فقراء المهاجرين يقفون صفوفاً متطاولة كالبنيان المرصوص أمام مراكز الاقتراع ليصوتوا لهذه المرأة الباهرة نصيرة المظلومين، ويعلّقون صورها على جدران منازلهم وعلى خلفيات سياراتهم المتهالكة القديمة التي يعلوها الصدأ. ولكن أصوات هؤلاء المهاجرين لم تكن كافية لتحمل السيدة الطموحة إلى البيت الأبيض. وها هي اليوم تجلس وحيدة في منزلها بعد أن تم إغلاق مستقبلها السياسي بالضبة والمفتاح، ولم تعد أصوات المهاجرين ذات قيمة سياسية أو غير سياسية بالنسبة لها. وفجأة، ومن غير مقدمات، خرجت هيلاري كلينتون على العالم، أول أمس الجمعة من فوق منبر صحيفة الغارديان البريطانية في حوار مطول مع الحبيب باتريك ونتور المحرر الدبلوماسي للصحيفة لتعلن بوضوح وبصراحة لا مثيل لها وبكلمات لا تحتمل العوج أنها في حقيقة الأمر ضد الهجرة ولا تعتقد أن الولاياتالمتحدة وأوروبا تحتاجان إلى مهاجرين! اكتشفت هيلاري بعد أن سدرت في سبعينيات عمرها أن الصدق منجاة وأن الكذب لا يليق بمن بلغ هذه السن المتقدمة فقررت أن تكشف النقاب عن حقيقة قلبها. قالت كلينتون إن على الأحزاب الديمقراطية والاشتراكية في أوروبا وأمريكا أن تعلن مواقف واضحة ضد الهجرة وأن تتكاتف في معركة كبح لجام المهاجرين وصدّهم عن الدخول إلى الدول الغربية على ضفتي بحر الظلمات. ومن رأي السيدة هيلاري كلينتون أن خسارتها هي شخصياً في الولاياتالمتحدة وخسارة كل الأحزاب الليبرالية في أوروبا، وأن انتصارات المحافظين في دول الغرب بعامة في المقابل كان نتيجة حتمية لمواقف هذه القوى السياسية تجاه الهجرة والمهاجرين، وأن دونالد ترامب ونظرائه من أهل اليمين السياسي في أوروبا كانوا في الواقع يقفون الموقف الصحيح بإزاء تلك القضية المحورية التي تربض حالياً في قمة أجندة شعوب الغرب. تقول هيلاري: (اليسار والقوى الليبرالية خسروا لأنهم يقفون مواقف مائعة تجاه الهجرة، بينما شعوب أمريكا وأوروبا في واقع الأمر قد سئمت من تقديم المعونات الاجتماعية لجيوش اللاجئين التي لا تنقطع، وأنهم ما عادوا يريدون ولا يطيقون هؤلاء ولا يرغبون في استقبالهم). كتّر خيرك يا ست هيلاري، وقومنا يقولون: (الواضح ما فاضح). ونحن نحمد الله أن أنطق لسانك بالصدق، وأنك خرجت علينا أخيراً بحقيقة ما ظللت تكتمينه في خويصة قلبك طوال سنوات المناصب والمواقع اللامعة والبريق السياسي، وتجهرين بعكسه تماماً دون أن يطرف لك جفن. ولا عزاء لملايين المهاجرين الذين ظلوا يتكاتفون ويهرولون ليمنحوك أصواتهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وأنت تطرحين البرامج التي ترضيهم وتدغدغ أحلامهم. وما تلك في نهاية المطاف إلا ديمقراطية قد خلت من قبلها الديمقراطيات!