أعلن الصديق الكاتب الصحفي محمد عثمان إبراهيم عن قيام تنظيم سياسي جديد واعد باسم يو تيرن (U-Turn). ورأيت ملصقاً يحمل اسم التنظيم ويعلوه الشعار المألوف الذي تستخدمه شرطة المرور والذي يشير إلى التصريح لسائقي المركبات في حالات معينة بالاستدارة الكاملة إلى الاتجاه المعاكس والعودة من ذات الطريق! من عجائب هذا التنظيم السياسي الجديد أن مؤسسه الأستاذ محمد عثمان إبراهيم ليس عضواً فيه ولا ينتمي إليه، ولكنه قام بإنشائه على سبيل الحسبة، بهدف استيعاب بعض السياسيين والإعلاميين التائهين الذين انبهمت عليهم الطرق مؤخرا. وبحسب المنشور التأسيسي فإن عضوية هذا التنظيم قاصرة على السياسيين والمسؤولين والإعلاميين والصحافيين الذين ظلوا يوالون الإنقاذ ويمشون في مناكبها على مدى الحقب والسنوات، يأكلون خبيزها ويشربون نبيذها، ويرتعون في مراتعها، وينافحون عن تلك المراتع، بعد أن تمكنوا فيها، منافحة اللبوة عن صغارها. ثم ما أن صفّرت صفارة الشباب الديسمبري وخرج الأيفاع إلى الشوارع والساحات يعلنون عن وجودهم ويعرضون مطالبهم، حتى انقلب هؤلاء على أعقابهم واستداروا دورة كاملة على نظام (خلف دور) فإذا هم بين عشية وضحاها في قلب الثورة النابض، تراهم فوق الشاشات التواصلية وقد نهضوا في خفة النمر ورشاقته فانكبوا على لوحات الكيبورد يرسلون البيانات والإشارات، يحيّون الشباب النابض ويستحثونه على الثورة، وقد وضع كل منهم طوبته في أي صف مُنتفض وقع عليه كيفما اتفق وهو يجوب الوسائط. والطوبة إن لم تكن تعلم، يا هداك الله، هي ذات الطوبة الحمراء التي تعرفها وأعرفها، ونعرف ما كان من أمرها، إذ اعتاد بعض الواقفين بغرض الشراء على وضع الطوب في أمكنة يفترضون انها لهم في صفوف الخبز وغيرها من مواد التموين، فالطوبة تشير إلى الشخص وإلى حقه في ترتيب الحصول على السلعة! هذا وزير دولة شاب كان في الحكومة قبل أسابيع، ولكن التشكيل الوزاري الأخير أخطأه، كان أوان الوزارة والصولجان يشنف آذاننا عن إنجازات وزارته ويبشرنا ويقول (تفاءلوا بالخير تجدوه)، ويحدثنا عن المستقبل الباهر الذي ينتظر السودان وهو يتجه نحو منعطف جديد قادم. قمت من نومي ذات صباح فوجدته مرتبكاً مذعورا، يتملق الشباب المتظاهر في الطرقات ويزعم أنه يؤازر الانتفاضة فيحرّض ويؤجج ويدق الدفوف لكأنه جيفارا زمانه. ثم أتى بزوجته المذيعة اللامعة فهرعا معاً يركضان ركضا خلف القطار! قذف الوزير الشاب بثياب الإنقاذ وتركها من خلفه ظهريا وارتدى لامّة الثورة، وانطلق ينثر الشعر والنثر تحت أقدام المتظاهرين. بدا لي المشهد أقرب إلى الكوميديا الخالصة. قلت أنادي من هم حولي وأنا أفرك عيني: يا قوم كم لبثنا؟ قالوا ما لبثت إلا سويعات، فهززت رأسي وضربت كفاً بكف، ثم دعوت ربي: اللهم حوالينا لا علينا! وتلك سيدة، أو لعلها آنسة، ما أدراني؟ وهي أيضا وزيرة غادرت موقعها قبل وهلة قصيرة، وكنت أحسبها من فارسات العصبة المنقذة. رأيتها هي أيضا تجر ثوبها من خلفها جرا وهي تلهث بين مساطب الأسافير، وخيّل لي أني سمعتها تقول كلاماً بالفصحى لو ترجمته إلى العامية لقرأت كلمات من شاكلة: سجمي.. سجمي يا جماعة أنا ما عندي دخل بالحاصل ده وما مسؤولة منو! ولكن مالي أنا وهذا وذاك؟ فلا شأن لي بالوزير الشاب المذعور الذي كلما تذكرته قفزت إلى ذهني تلك العبارة المأثورة التي قالتها العرب (أم الجبان لا تفرح ولا تحزن)، ولا بالوزيرة الواجفة المرتعبة، التي تضعضعت روحها وانخلع قلبها عن موضعه فطلبت السلامة عند أقدام المتظاهرين، ففي نهاية المطاف ليس لنا مما نرى ونسمع إلا العبرة. وعبرة الحياة على مدى العصور تقول إنه عند الشدائد تستبين المعادن! بقيت كلمة أخيرة أتوجه بها إلى السيد مسجل عام الأحزاب والتنظيمات السياسية. رجاء التكرم بالموافقة على تسجيل تنظيم يو تيرن كتنظيم سياسي معتمد، حتى يكون داراً آمنة ومثابة طيبة لكل السياسيين والإعلاميين المذعورين وذوي القلوب الضعيفة. وأتوقع بل وأتمنى لهذا التنظيم الفتي حظوظاً عالية وكسباً متميزاً في انتخابات 2020.