تواصل توافد وصول المواكب لساحة الاعتصام في يومه السابع عشر، رغم أن البعض تخوف من أن يتسبب المؤتمر الصحفي الهزيل لتجمع قوى الحرية والتغيير أمس الأول في إحباط العديد من المتابعين سواءً من داخل أرض الاعتصام أو عبر الشاشات، لكن تأكيد وصول أهل عطبرة عبر القطار أعاد للاعتصام بريقه، فعطبرة لها رمزيتها ومكانتها رغم أن عطبرة لم تكن بداية شرارة ثورة ديسمبر التي انطلقت من مدينة الدمازين في 16 ديسمبر ثم مدينة بورتسودان في 18 من ذات الشهر عندما أجبر المحتجون إلغاء خطاب كان محدداً له بالمدينة في يوم 18 ديسمبر للرئيس المخلوع عمر البشير ، لكن ما وجدته احتجاجات عطبرة من زخم وإعلام يعود لحرقهم دور المؤتمر الوطني رمزية الفشل طوال الثلاثة عقود الماضية، لتواصل بعدها القضارف وتحتل على الزخم الأكبر بعد سقوط (9) شهداء من أبنائها في يوم واحد.. الملاحظ عموماً في الاعتصام في يومه السابع عشر تعدد المناشط والدعوات والمواكب، لكن قطار عطبرة خطف الأضواء من بين كل المواكب التي وصلت إلى القيادة العامة. موكب عطبرة .. حكاوى القطار استقبل المعتصمين أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، نهار أمس موكب مدينة عطبرة، الذي انطلق صباحا من مدينة الحديد والنار يحمل في متنه موكباً من ثوار ولاية نهر النيل كافة، للمشاركة في اعتصام القيادة العامة، وامتلأت ساحة القيادة بالمعتصمين الذين هتفوا بأصوات عالية وأشعلت لهيب المعتصمين وسط زغاريد الكنداكات الذي ملأ المكان زخماً . تهديد الموكب فور تحرك القطار الذي انطلق من عطبرة عند السادسة صباحاً، وما إن وصل لمدينة شندي هدد سكان المدينة الموكب بقفل مسار القطار، حال عدم استجابتهم لدعوة الإفطار والتزود بالزوادة، ليجد إلحاح أهل شندي استجابة الموكب، لينضم إليهم بعد ذلك عدد من الثوار، وبحسب سير الرحلة كان من المتوقع أن يصل القطار للقيادة العامة في (6) ساعات إلا أن توقف القطار بشندي ومنطقة الجيلي تسبب في تأخر وصوله، حمل الثوار المتواجدون على ظهر القطار صورة تظهر الشهيد طالب كلية الهندسة بجامعة وادي النيل (طارق)، الذي استشهد بتظاهرات المدينة في ديسمبر الماضي، الأمر الذي جعل المعتصمين يهتفون بقولهم: (دم الشهيد بي كم ولا السؤال ممنوع؟، والدم بالدم ما بنقبل الدية) في إشارة منهم إلى القصاص، كما ظهرت عدد من اللافتات التي تطلب برحيل ما تبقى من النظام، وحملت إحدى اللافتات المرفوعة من قبل ثوار عطبرة (لابد من السكة حديد) أي عودة السكة حديد وعدم تشريد عمالها، كما حمل الثوار لافتات تؤكد دعم لجنة المقاومة بعطبرة لإعلان قوى الحُرية والتغيير، حتى تكوين الحكومة الانتقالية، بجانب شعارات تحمل (وطن الحضارات السودان عزة وشموخ) وقال أحد الثوار للصحيفة إنهم جاءوا لإكمال ما تبقى من أهداف ومطالب الثورة، ووقوفهم مع معتصمي القيادة العامة، وواصل قائلاً: (ناس الخرطوم صابنها في القيادة، وناس عطبرة جو يصبوها معاهم أسمنت، وسقطت.. ما سقطت صابنها)، وشد انتباه الحضور في القيادة العامة عندما ترجل عن القطار أحد الشباب عندما نزل وهو يحمل خروفاً في كتفه. القصاص في ساحة الاعتصام حرص أبناء جبال النوبة من نصب خيمة على مقربة من تقاطع شارع البلدية مع القيادة العامة، ليرسلوا عبر تلك المنصة مظالمهم وعرض الانتهاكات التي حدثت بالمنطقة، ولتأكيد القومية السودانية ، والمطالبة بالقصاص لقتلى الحروب، بجانب عرض تراث جبال النوبة الجميل عبر الفلكلور الشعبي، كذلك توافدت الوفود خاصة مواكب أسرى الحرب.. أيضاً ظهرت دعوات لظهور الكنداكات بالثوب الأبيض في مقبل الأيام كشعار ورمزية للسلام الذي ينشده الجميع. توعية وبالتجول في ساحة الاعتصام تلفت انتباهك عدة مشاهد ودعوات ومطالب، ففي وسط الزحام يرفع الشاب أحمد يحيى خريج هندسة الكهرباء من جامعة السودان، الذي لافتته كتب عليها (لا نريد أن تكون الساحة مكاناً للترفيه والبرامج الانصرافية)، ويقول أحمد: إن ما دعاه لذلك أن البعض ينظر إلى الساحة كمكان للترفيه وملء الفراغ، في حين أن الساحة تضم أماً لشهيد وأصدقائهم وجيرانهم وأقربائهم، بجانب من له أسير ومصاب ومن يحمل مظالم لأهله ومنطقته وربما مظالم تعرض له شخصياً. قراء الكتب على أرصفة الطرق الموجودة بالساحة عرض البعض كتب وروايات خاصة في فترة المساء، اللافت والأهم ليس في عرض الكتب لبيعها وإنما في إتاحة الفرصة لمن يرغب في القراءة مجاناً خاصة لثوار الليل وذلك للاستفادة من وقتهم ولتقصير طول الليل بالقيادة العامة. قانون القيادة اللافت أن الشباب المتواجدين على ما يعرف بالمتاريس وهم يرددون: (أرفع يدك فوق والتفتيش بالذوق)، و( أرفع يدك فوق .. تأمين ليك ولأخوك) لا يوجد كبير في قانونهم مما يؤكد أن للاعتصام في القيادة قوانين صارمة يجب أن تخضع لها وتظهر صورة تم تداولها بكثافة للرئيس السابق ل "حزب المؤتمر السوداني" السياسي ورجل الأعمال المعروف إبراهيم الشيخ، وهو يرفع يديه مبتسماً للتفتيش من قبل شباب التأمين. ترقب وانتظار صحيح أن الثوار المعتصمين موجودون بأجسادهم في ساحة الاعتصام لكن قلوبهم وأذانهم مع ما يصدر من قرارات من قبل المجلس العسكري وما يعلن عنه تجمع المهنيين وقوى الحُرية والتغيير الجسم المنظم للتظاهرات. أحاديث الساحة العديد من الشباب المتواجدين بساحة الاعتصام ينظرون إلى المجلس العسكري لا يلقي بالا لمطالبهم ودعواتهم التي خرجوا لأجلها، وأنه يفكر في إزالة المتاريس وفتح الكباري كما حدث من محاولة نهار أمس الثلاثاء، عندما حاولت قوة من القوات النظامية إزالة المتاريس الموجودة بالقرب من ساحة الاعتصام بمنطقة بري، ووصفوا ما يقوم به المجلس بأنه اهتمام بقضايا انصرافية خاصة وأن الكبري كان مغلقاً لمدة عام كامل بحجة الصيانة، وأن الخطوة ما هي إلا محاولة لفض المعتصمين الذين فقدوا أرواح إخوانهم وأبنائهم وأعمامهم وأساتذتهم ولم يتحدث عنهم المجلس العسكري حتى اللحظة وأن المجلس يتحدث عن فض اعتصام، ولم يعلن الحكومة التي يتخوف الشباب أن تكون على شاكلة حكومة الوفاق الوطني وحكومة الوحدة الوطنية وحكومة الكفاءات التي كان يتبعها الرئيس المخلوع. مطالب فردية تعددت مطالب الثوار، حيث حمل ثوار الجزيرة أبا في موكبهم أمس لافتات تحمل شهداء المدينة أبرزهم (محمد إسماعيل) صاحب ال14 عاماً الذي استشهد الجمعة 21 ديسمبر، كذلك سيَّر المسرحيون والدراميون موكباً حاشداً حاملين شعارات ( مسرحية ونغمة ولوحة نهديها للبلد السمحة)، و(حُرية سلام وعدالة .. الفن تعبير ورسالة)، وعلى ركن قصي بالقرب من نفق القيادة بشارع الجمهورية، نظمت بعض القوى السياسية ندوة المواطنة والراهن السياسي التي قدمتها د. فاطمة عمر العاقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري .. عدد من الشباب المتواجدين بساحة الاعتصام انتقدوا فردية المطالب المرفوعة بساحة الاعتصام، وقال الشاب عمر عبد المنعم من سكان شمبات، أصبحت المطالب فردية رغم تعاطفنا على أن النظام كان قابضاً ويضيق عليهم، لكن هنالك مطالب كبيرة وموحدة للشعب وتمثل مطالب جماعية، مقراً بما حدث من انتهاكات في جبال النوبة وشرق السودان ومناطق السدود وولايات دارفور لكنه قال: (يجب أن تعرض كل تلك المظالم في وعاء جامع، وهو ما ذهب إليه كذلك د. عبد العزيز حسين العوض، أستاذ العلوم السياسية، في أن ما يدور بساحة الاعتصام يجب أن يعبر عن الجميع وبصورة موحدة.