في السابع من يناير الماضي أصدر رئيس الجمهورية قراراً بإلغاء ودمج عدد من الهيئات الحكومية شمل القرار إلغاء أوامر التأسيس وأيلولة اختصاصاتها ومهامها إلى الجهات الأم، شمل كلاً من الهيئة العامة للطرق والجسور والهيئة العامة للمياه والهيئة العامة للحج والعمرة والهيئة العامة للمخزون الإستراتيجي، كما شمل قرار الدمج كلاً من الهيئة العامة للإذاعة القومية والهيئة العامة للتلفزيون وشملت القرارات أيضاً حل المصلحة البحرية التجارية وتحويل هيئة جبال النوبة إلى ولاية جنوب كردفان، وكلّف القرار وزارة مجلس الوزراء بتكوين لجنة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار. نأمل أن يكون القرار على مشارف التنفيذ النهائي، وحين وقعت عيني على هذا القرار صرت التهم الكلمات التهاماً علني أجد وحدة السدود من ضمن هذه المؤسسات التي تم إلغاؤها وإيلولة اختصاصاتها ومهامها إلى وزارة الري مكانها الطبيعي، كما بحثت عن اسم وحدة مطار الخرطوم الجديد وقرار حلها وأيلولة اختصاصاتها إلى الهيئة العامة للطيران المدني، ولما لم أجدهما كذبت عيني مدفوعاً بالأمل فعسى أن يكون اسم هاتين الوحدتين فلت من عيني سهواً لكن خاب ظني ووضعت الصحيفة حزيناً متحسراً، ذلك لأن تكوين وحدة منفصلة لتشييد السدود بدعة لا أحسب أنها معمول بها في العالم، فمن قبل تم تشييد خزان الروصيرص في العام 1966 تحت إشراف وزارة الري كما لم تنشئ دولة المستعمر البريطاني أجساماً إدارية منفصلة حينما شيّدت خزاني سنار وجبل أولياء، فخزان سنار شُيِّد بواسطة شركة متخصصة في التشييد «الشركة السودانية للتشييد وشركات أخرى متخصصة تحت إشراف الجهات المختصة بهذا الأمر»، ولا نحسب أن وزارة الري بما تملكه من خبرات فنية لن تكون عاجزة عن الإشراف على تشييد السدود في السودان إذا ما وُفِّرت لها نفس الإمكانات المالية «القروض الدولارية الضخمة» سيما وأن وحدة السد لم تشيِّد سد مروي بخبرة محلية بحتة، حيث شارك فيه الصينيون بنصيب الأسد ثم شركات غربية أخرى، بل أن تكليف منشأة متخصصة مثل وزارة الري بما تحمله من خبرات تراكمية أدعى للتنفيذ الفاعل والترشيد المطلوب للمال حيث ان الوزارات الحكومية تنتهج االنظم الحسابية والإدارية المتعارف عليها والخضوع للمراجعة في حين أن الوحدة المنفصلة ذات الكيان المستقل ليس بالضرورة أن تتمسك بتلك النظم والأدبيات الرسمية المعروفة، ولعل هذا وضح في مدى المبالغ الكبيرة التي أنفقتها إدارة السد في تنظيم الرحلات لزيارة السد للعديد من القطاعات في المجتمع أكثر من مرة منذ بدء تشييد السد وحتى نهايته بعد حوالى خمس سنوات مما دعا الكاتب المخضرم الراحل سيد أحمد خليفة يكتب «صباح الخير يا أهل وحدة السدود .. السد ليس متحفاً» كما أن الخصوصية والصلاحيات التي مُنحت لوحدة السد ربما كانت إسقاطاتها المباشرة هي تداعيات القضايا التي نازعت فيها العديد من المتضررين من المناصير وحيازات نهر عطبرة ومتضرري مشروع القولد وغيرهم، كذلك ما هي الحكمة في تكوين وحدة منفصلة لتشييد مطار الخرطوم الجديد بعيداً عن المؤسسات المتخصصة المعنية بالإشراف على تشييد المطارات مثل هيئة الطيران المدني، فهل نحلم بإلحاق قرار جمهوري آخر يعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي؟ بالطبع هو حلم مستحيل لكن أحسب أن الكثيرين يتمنون حدوثه بما فيهم الخبراء والمختصون بهذا الشأن، وعندها فإن وزارة الكهرباء بزعامة أسامة عبد الله ستكون مختصة بشبكات الكهرباء المولَّدة من السدود أو من المولدات الحرارية أو حتى النووية، في حين ستكون وزارة الري مسؤولة عن المياه في السدود والإشراف على تشييد السدود الجديدة، ونحن على ثقة أن أول سد سيتم تنفيذه وفق هذه الهيكلة لن يجد اعتراضات أو اعتصامات جماهيرية، فالمؤسسية ستكون هي السائدة وإن حدثت بعض الإشكالات العارضة فسيتم تجاوزها بسهولة بعيدًا عن تعنُّت وانتصار لإرادة الفرد.