ظل الصراع القبلى بجنوب السودان الدافع الاساسي للصراع المسلح الذى الفته الدولة الوليدة حتى نسيت ملامح السلام الاجتماعي وانغمس ابناؤه فى الاقتتال من اجل الارض والماشية حتى ضيعوا معنى الهوية الوطنية الجامعة الا ان ذلك لا يعنى باى حال تجاهل التركيبة القبلية بالجنوب واقصائها من استراتيجية التشكيل السياسى ضمن كل حكومة تكون لادارة شؤونه، ويقول تقرير نشرته وكالة جنوب السودان للانباء على دولة جنوب السودان الوليدة ان تتبنى تشريع الدستور العشائرى بوصفه نظامًا للتمثيل السياسى فى الدولة فى حال رغبت فى تجنب المزالق التى هوت بالبلدان الافريقية الشقيقة، وبالرغم من حماس شعب الجنوب لمعرفة تشكيلة الحكومة الجديدة الا ان اعلان الرئيس سلفا كير ميارديت بانها ستشكل على اساس المؤهلات وليس على التمثل القبلي قد ايقظ كمًا هائلاً من المخاوف إذ حدد كير شروطًا صارمة بشأن تشكيل الحكومة المقبلة عقب الانفصال بعد ان امن لنفسه ونائبه رياك مشار منصبيهما واصفًا ايها بالحكومة المرنة ذات القاعدة العريضة التى تخدم تطلعات الشعب ومصالحه الا ان التأهيل للمناصب السياسية فى جنوب السودان يجب ان يبنى على التمثيل القبلى وليس على المؤهلات التعليمية كما يجب تعيين مجلس الوزراء وفقًا للتمثيل العادل لكافة القبائل بجنوب السودان وذلك ان حجة التأهيل التى عرضها كير تجعل الحكومة المقبلة عرضة للتلاعب السياسى الامر الى يضع مقاليدها تحت يد قبيلة واحدة تأخذ حصة الأسد فى الوزارات المفصلية بحجة انهم مؤهلون ولعل معظم معاول الهدم بجنوب السودان من سوء الادارة والحكم والفساد والمحسوبية والادمان المزمن للثورات السياسية وضعف النضج السياسى سببه القبلية والعشائرية وذلك ان العدالة القبلية هى اساس النزاهة السياسية والوئام المجتمعى والسلام الدائم والتنمية المستدامة، كما ان التمثيل العادل سيجعل قضايا الفساد حالات فردية ويفتح المجال امام محاربة المحسوبية والفساد السياسى بدلاً من مما هو عليه الحال الآن من تحويل دولة الجنوب الى دولة الدينكا الامر الذى مكَّن كثيرًا من المسؤولين الفاسدين من التهرب من المساءلة والملاحقة القضائية، ولعل الفساد السياسى الذى اقعد دول افريقيا جنوب الصحراء من الانعتاق من قيد الاستعمار سببة القبلية والمحسوبية الناجمة عنها والتى ولَّدت القصور الديمقراطى حيث استخدمت الانتخابات فى العديد من البلدان الافريقة واوغندا على سبيل المثال لإضفاء الشرعية وتكريس فلسفة الافلات من العقاب والفساد والجشع لتقويض احتمالات التحول الاقتصادى المثمر الامر الذى تركها تتمرغ فى الفقر والامية والفوضى السياسية، ويبدو جليًا عجز مبرِّر اشتراط التأهيل من اجل اسناد الوظائف كمعيار عادل وذلك ان معظم الدول الافريقية التى ترتفع فيها نسبة التعليم كما هو الحال فى مصر وكينيا وتونس ونيجيريا تسجل ارقامًا مذهلة من قضايا الفساد، كما يشكل الموظفون الذين يمتلكون مؤهلات علمية عالية الشريحة الاكثر فسادًا، الجدير بالذكر ان حكومة سلفا كير قد اعترفت مرارًا بالفساد المستشرى وسط صفوفها حيث صرح سلفا كير فى أحد خطاباته قائلاً: اعرف ان بعض الناس تمتلك اموالاً ضخمة فى بنوك اجنبية، وانصحهم بنقل هذه الاموال الى داخل البلد، ومن المؤكد ان هؤلاء الاثرياء لم يكن لهم وجود قبل العام 2005 حيث بدأوا يحولون اموال النفط الى حساباتهم الخاصة ليشتروا القصور الفخمة والشقق الفاخرة فى اوربا واستراليا وكندا والولايات المتحدة ودبى وغيرها من الدول الافريقية الامر الذى يؤكد نهب المسؤولين فى الحركة الشعبية لاموال الشعب مستغلين مناصبهم والانتماءات القبلية التى توفر لهم الحماية من الملاحقة القضائية، هذا فضلاً عن الفواتير الضخمة التى تدفع من خزينة الدولة لأسرهم الموجودة فى دول المهجر اضافة الى الرشاوى من اجل تمرير المشاريع المشكوك فيها والتى كشفتها وسائل الإعلام مؤخرًا وتلك التى ما زالت فى رحم الغيب تنتظر اماطة لثام الخفاء عنها كفضيحة الذرة الشهيرة وشركة ماكيالان البريطانية للطباعة وعقود البناء وانشاء الطرق المغشوشة وغيرها الكثير.