عندما نتحدّث عن أن هذه البلاد، بسبب الوجود الأجنبي الجنوبي وغيره، تتقلب في برميل بارود لا نقصد أن نروِّع الناس فلسنا بدعاة ترويع وإنما لأنه في هذه الحالة تحديداً يجدر بالناس أن يستمعوا إلى الحكمة الشعبية التي تقول (أسمع كلام من يبكيك لا كلام من يضحكك) لأن من يضحكك يُلهيك عن القنبلة التي توشك أن تنفجر وتُحيلك إلى أشلاء. آسف لهذه الفزّاعة لكني أقول إن التظاهرة التي سيّرها الجنوبيون (الأجانب الذين ينتمون إلى دولة الجنوب المعادية) ظُهر الأربعاء الماضي في قلب الخرطوم أشدّ إيلاماً من أحداث الإثنين الأسود التي قاموا بها في أغسطس «2005م» عقب مصرع قرنق فحينها كانوا مواطنين أما اليوم فإنهم لم يعودوا كذلك ورغم ذلك يتظاهرون ويُغلقون أكبر وأهمّ شوارع الخرطوم عدة ساعات ويعتدون على المواطنين الشماليين ويهشِّمون السيارات والمحال التجارية فبالله عليكم هل من استفزاز و(حقارة) في الدنيا على مدار التاريخ أكبر من هذه؟! أزيدكم وجعاً على وجع.. هؤلاء المتظاهرون خرجوا احتجاجاً على ما يزعمون أنه ظلمٌ لحق بهم بسبب عدم قيام القوات المسلحة بمنحهم مستحقاتهم.. «طيب» ماهي علاقة المواطنين (المدنيين) في قلب الخرطوم الذين اعتدى هؤلاء عليهم وعلى ممتلكاتهم وهشّموا سياراتهم وما هي علاقة شارع المطار بتلك القضية تحديداً؟! لماذا لم يفعلوا ذلك أمام القيادة العامة أو داخلها؟! سؤال آخر: هل هذه أول مرة يحتج فيها الجنوبيون (الأجانب) بهذه الطريقة المدمِّرة؟! ألم يغلقوا من قبل مستشفى الخرطوم؟! ماذا فعلت وزارة الداخلية لهم وماذا فعل السياسيون الذين تخصّصوا في إذلالنا وتحطيم كرامتنا وتمريغها في التراب؟! إنه الانبطاح الذي اضطرّ المواطنين قديماً إلى الانتقام والثأر لكرامتهم يوم الإثنين الأسود حين عجزت السلطات عن أداء واجبها. قبل شهر واحد دارت معارك في قلب الخرطوم بالكلاشنكوف بين جنوبيين ينتمون إلى قبائل مختلفة حيث نقلوا صراعاتهم الاثنية إلى عاصمة البلاد ولم نسمع بأن وزارة الداخلية والشرطة قد اتّخذت أي إجراء وفي كل يوم نسمع جديداً وقلنا يومها إن معركة الكلاشنكوف في قلب العاصمة أثبتت ما كان معلوماً من انتشار للسلاح لدى الخلايا النائمة من مُنتظري الإشارة من قادة الحركة الشعبية المتربِّصة بالبلاد وعملائها الذين يخوضون المعارك اليوم في جنوب كردفان والنيل الأزرق. نرجع لخبر إغلاق شارع المطار (إفريقيا) فقد أكَّد الصوارمي خالد سعد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة أن من تم تسريحهم من أبناء الجنوب مُنحوا مستحقاتهم لكنهم يطالبون ب (الاستبدال) الذي لا يُعتبر حقاً قانونياً مُلزماً!! بربِّكم هل من قوة عين في الدنيا أكبر من هذه وهل من استخفاف بهذه الدولة وشعبها وحكومتها وأمنها أكبر من هذا؟! لن أفترض أن بعض أبناء الشمال تظاهروا في جوبا للمطالبة باسترداد ممتلكاتهم ومساكنهم التي نهبتها قوات الجيش الشعبي لأنه لا يحق لي أن أفكر مجرد تفكير في أن ذلك قد يحدث من الشماليين الذين يُعتدى عليهم داخل متاجرهم ويُقتلون ويُتحرَّش ويُفتك بهم في الشوارع وداخل بيوتهم... لن أفترض أن آلاف الشماليين الذين حفيت أقدامُهم وبُحّت أصواتُهم في المطالبة بتعويضهم عن عرق عشرات السنين في جنوب السودان قد تظاهروا لكني فقط أعقد المقارنة بين سلوك الشماليين تجاه الجنوبيين وسلوك أبناء الجنوب في الشمال حتى بعد أن أصبحوا أجانب. وبالرغم من ذلك نفتأ نسمع بعض أصوات العمالة والارتزاق وهي تتحدث عن عودة الوحدة أو منح الجنسية لأبناء الجنوب رغم علمهم أن ما يخرج من أضعان القوم من حين لآخر يكشف عمّا يُضمره هؤلاء من مشاعر حاقدة تنتظر الإشارة لإفراغها في شكل غضب وحريق وتدمير يقضي على الأخضر واليابس. هل نحتاج إلى التذكير بغزو أم درمان الذي قامت به حركة خليل إبراهيم التي انضمّت لما يُسمّى بالجبهة الثورية التي تضم عقار والحلو وعرمان وعبد الواحد.. هل أحتاج إلى التذكير بالخطة «ب» التي توعّدنا بها باقان وعرمان؟! هل أحتاج الى التذكير بتهديد عقار بنقل المعركة إلى الخرطوم بل إلى القصر الجمهوري؟! إلى متى تفيق قبيلة النعام وتلتفت إلى الخطر الداهم الذي يتهدّدنا من تلقاء الجنوب؟! متى تعلم أن تأمين الشمال لا يتم إلا بعد تحريره وتطهيره من الأشواك السامّة المزروعة في أحشائه؟!