ولأننا على مشارف انعقاد المؤتمر القومي للتعليم، وددتُ أن أنبه إلى بعض النقاط: أولاً: السلم التعليمي الحالي أثبت عدم نجاحه، حيث تطرق خبراء التربية إلى مخاطر تعايش أطفال في الصفوف الأولى في مرحلة الأساس مع مراهقين في الصف الثامن لمدة سبع ساعات يومياً، وما نتج عنه من جرائم وسلوكيات غير قويمة، لذلك لا نجد للسلم التعليمي القديم «6، 3، 3» بديلاً لأنه يتميز بفصل الأطفال عن المراهقين في مبانٍ منفصلة تماماً.. كما أن السنة المحذوفة من السلم القديم كان وجودها مهماً لنضج التلميذ قبل دخوله الجامعة «الآن طلاب الجامعات صغار جداً» وما حالات العنف الطلابي وجرائم القتل إلا نِتاج لهذه المرحلة العمرية المضطربة، وعن السنة الدراسية المزمع إضافتها للسلم الحالي أرجو أن توضع في موضعها الصحيح بحيث تكون سنة رابعة في مرحلة الثانوي، إذ لا يُعقل أن تكون سنة تاسعة في مرحلة الأساس لأن الهوة بين الطفل الصغير ورفيقه البالغ ستزيد وسيزيد الطين بِلَّةً. ثانياً: تدني مستوى الطلاب في اللغة العربية «اللغة الأم» أصبح هماً يؤرق الجميع، وليست هناك بادرة أمل في القضاء على هذا الخطر المستفحل، ولا أدري أين موضع الخطأ هل هي سياسة ما يسمى «الكل ثم الجزء» بمعنى أن الطالب في السنة الأولى أساس يدرس الكلمة كاملة وينطقها ويحفظها ويخطها في كراسته دون معرفة الحروف المكونة لها «لأن الخطة تقضي أن يدرسها في مستويات أخرى» في حين كان على عهدنا ندرس كل الحروف الهجائية ونكتبها مراراً وتكراراً في النصف الأول من السنة الأولى في المرحلة الابتدائية ثم بعدها نكوِّن الكلمات «ونتيجة لذلك كان جيلنا يستطيع التمييز بين القاف والغين والزاي والذال ولا يخطئ في كتابة الإملاء» كما يفعل أبناؤنا الآن. أيضاً غياب المكتبة المدرسية وكتب المطالعة عامل آخر من عوامل تدني اللغة العربية، حيث أنه في السلم القديم يُدرس كتاب «الأيام» لطه حسين في المرحلة المتوسطة فكانت الحصيلة اللغوية آنذاك قوية جداً والمفردات ثرَّة، كما كانت تخصص حصتان أسبوعياً للجمعيات الأدبية تدرس فيها كل أنواع الفنون «جمعية الخطابة وجمعية الإلقاء الشعري وجمعية المسرح، وجمعيات أخرى كالتدبير المنزلي والحياكة والتطريز» وحصة خاصة بالتربية الوطنية. ثالثاً: من المهم جداً وجود باحث اجتماعي في كل مدرسة «ابتداءً من مرحلة الأساس» لمعاينة حالات الطلاب النفسية والاجتماعية وضبط أنواع التفلت الأخلاقي والعدوانية ورصد حالات الفقر والحاجة، وذلك بالمتابعة اللصيقة والتنسيق التام بين البيت والباحث، ورفع تقارير إلى ديوان الزكاة لمساعدة الأسر الفقيرة وما أكثرها، وهذا الأمر يحد من العطالة بتوفير وظائف للخريجين في هذا التخصص، على أن يتعدى الباحث الخامسة والثلاثين من عمره ليكون ناضجاً قادراً على متطلبات هذه الوظيفة. رابعاً: معدات وأدوات الإجلاس، قديماً كان كل طالب يملك درجاً مؤمَّناً بقفل، حيث يحفظ كل كتبه ومذكراته ويأخذ معه ما يحتاجه فقط للاستذكار والمراجعة في المنزل، وبغياب هذه المعدات وغياب جدول حصص ثابت يحدد المطلوب من الكتب كل يوم، أصبح التلاميذ الصغار يحملون كل الكتب والكراسات الخاصة بالسنة الدراسية في حقائب على ظهورهم يومياً جيئةً وذهاباً «بعض الأطفال يذهبون إلى المدرسة بأرجلهم لمسافات طويلة» مما يمثِّل حملاً ثقيلاً جداً على ظهورهم، وتعلمون آثار هذه الحمولة مستقبلاً على السلسلة الفقرية لطفل صغير غض، فالرجاء اعتبار هذا الأمر بتوفير أدراج أو دواليب في كل فصل لحفظ الكتب واستعمالها عند كل حصة.. خامساًً: المدارس الخاصة ذات المساحة الضيقة وغالباً ما تكون عبارة عن بيت سكني أو عمارة «أقصى عدد لدورات المياه فيه يكون ثلاثاً» مما يمثل عبئاً نفسياً على ما يقارب المائتي طالب يحتاجون إلى الحمام يومياً في فترة فسحة لا تتجاوز نصف الساعة، مما يتطلب إعادة النظر في قانون التصديق بفتح المدارس الخاصة بالتشديد على مواصفات المبنى. سادساً: الجامعات وحالها الذي لا يسر من تعاطي المخدرات بجميع أنواعها وتفشي الأمراض الجنسية وظاهرة الزواج العرفي، ومعاناة طالبات السكن الداخلي، وظاهرة العنف السياسي وجرائم القتل، وأطفال الشوارع، فكل هذا يمثل خطراً على مستقبل الطلاب لا بد من تداركه بمحاضرات تنويرية «قانونية ودينية واجتماعية وطبية» عبر الاتحادات الطلابية بالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة الداخلية ووزارة الرعاية الاجتماعية وعلماء الدين، وعشمي أن تساهم الدولة في تخصيص وحدات سكنية لمساعدة الطلاب على الزواج طلباً للعفة وحرباً على الانحلال والتفسخ الأخلاقي. ونسأل الله العون والتوفيق.