بدأت أمة الإسلام في الاضمحلال والتفكك والتلاشي منذ أن سقطت غرناطة آخر معقل للمسلمين في الأندلس في الثاني من يناير عام 1492م وأخذت ثرواتها وعلومها وفنونها وآدابها بكل تراثها إلى الأوربيين الذين عمروا بها نهضتهم فتلقفوا هذه الموائد الدسمة.. هذه الكنوز كانت أوربا تدرك مبتداها ومنتهاها وغاياتها.. فأوربا كانت خواء لا تلوي على شيء ولا تملك شيئًا من وسائل الحضارة ولكنها كانت تبحث عن أسس راسخة يمكن تطويرها وقد وجدوا تجربة المسلمين من قبل فانبهروا بها وكيف ساد المسلمون وأفادوا في جميع ضروب الحياة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ونشرهم للدعوة الإسلامية.. واخترعوا وابتكروا ما هو أساس لنهضة العالم والذي تغير مرآه ومعناه منذ قرون قليلة قد مضت.. وذلك بمآل جوهر الحضارة الإسلامية للدول الأوربية عن طريق غزو الأمة الإسلامية عن طريق الغزو الأوربي الصليبي والصهيوني العلماني.. ثم جاء عصر الكشوفات الجغرافية وتم اكتشاف العالم الجديد.. ثم خرجت الامبراطوريات الأوربية من رحم حضارة المسلمين الآفلة وصارت السفن التجارية والعسكرية تجوب العالم بخرائط رسمها المسلمون، والأدهى وأمرّ هم قبطان هذه السفن تحت إمرة القباطنة الأوربيين، والأدهى وأمرّ أنهم يجرفون في قاع السفن مكبّلين بالسلاسل وقيّدوا بالحديد وهم يعملون في ظروف سيئة حتى يدركهم الموت أو يصل القباطنة غاياتهم وجابت السفن العالم وحقق القباطنة أهدافهم.. امتلكوا الأرض والعبيد والذهب وأحاطوا ببلاد المسلمين من أطرافها كإحاطة السوار بالمعصم.. فكانت أوربا رغم انتصارها على العالم الإسلامي وتمزيق وحرق مراكز إشعاعهم الحضاري إلا أنهم متوجسون من نهضة العالم الإسلامي وما الظرف الذي يمر به إلا ظرف استثنائي وأنه سوف ينهض من كبوته. إلا أن الكبوة قد طالت، وأدركت أوربا ضعف العالم الإسلامي وقد أقعد به إلى ما لا نهاية.. ثم جاء بعد ذلك عصر الاستعمار ثم جثمت أوربا على ما تبقى من الوهن الإسلامي وأن تتحكم في أرجائه وتنشر ثقافتها ولغتها في بلاد المسلمين بل جعلت علماء من المسلمين يدافعون عن الحضارة الأوربية وفكرها وثقافتها.. فوجد الاستعمار المسرح خالياً فأغرق المسلمين في الجهل والتخلف والضياع والبعد من الدنيا والدين.. فهذه حقائق ينقضها الواقع وتثبتها حقائق التاريخ. هذه المقدمة تقودنا إلى عنوان المقال «رفاهية الشعب الأمريكي ومأساة الربيع العربي».. لا باحث ولا محلل أو عاقل ينكر أن الحملات الاستعمارية التي قادتها أمريكا ضد العالم الإسلامي والعربي هي حملة استعمارية بحتة تريد أن تستعمر العالم العربي والإسلامي.. وذلك لنستقرئ الوقائع التالية: 1/ أيًا كانت دوافع بن لادن.. فهي تحمل مؤشرات ودوافع قوية لمجموعة إسلامية متنامية ترى أمريكا أنها هي الشيطان الأكبر الذي يقف من خلف الحركة الصهيونية العالمية والتي تحتل أرض المقدسات الإسلامية وبيت المقدس وتتحكم في مصير الشعوب الإسلامية. 2/ الحركة الصهيونية تبيد في الشعب العربي الفلسطيني منذ وقبل وعد بلفور 7191م. 3/ ظهور القوة الإسلامية بقيادة بن لادن يُظهر القدرات العربية الإسلامية في المنطقة وأولها القوة العسكرية الصناعية في العراق والتي تدفعها الحمية الإسلامية للوقوف مع العراق وطالبان. 4/ الانتباه للسودان الذي استضاف الإجماع العربي في عام 1967م حرب النكسة + البعد العربي والإفريقي الذي يكوِّن التوجه السياسي والاقتصادي والعلاقات الخارجية لدولة ذات ثروات هائلة وشعب يتجاوز الأربعين مليون نسمة ونظام إسلامي ذي عقيدة قتالية جهادية. 5/ السودان يطل على أكبر ساحل على البحر الأحمر وموقع مفصلي في قلب القارة تحفه «10» دول تُعرف بدول الطوق الأمني. 6/ السودان عمق إستراتيجي أمني لمصر وملاذ إستراتيجي لدول الخليج العربي. 7/ السودان يحمي ظهر المقدسات الإسلامية والأمن القومي العربي قبالة البحر الأحمر. فإسرائيل تفكر ومنذ زمن بعيد في كسر أو فتح فجوة عبر الجدار العربي الذي يضرب الالتفاف حول الكيان الصهيوني فكانت الفجوة هي تفتيت السودان وذلك من خلال وجود ثغرات في التركيبة الاجتماعية السودانية «عرب زنوج». التوجُّه نحو إفريقيا التي تعيش بعيداً عن الذاكرة والاهتمام العربي. فإن إسرائيل وجدت تحقيق أهدافها من خلال الذراع الأمريكي. الإستراتيجية الأمنية الأمريكية.. بعد فشل تحقيق أهدافها في كل من العراق أفغانستان السودان. قد يرى الكثير من المحللين والباحثين والمراقبين أن أمريكا حققت أهدافها من الحروب التي استهدفت بها المنطقة العربية والتي تتمثل في الآتي: تغيير النظام الحاكم في العراق وباكستان. تدمير الدولة العراقية ونهب ثرواتها. تحطيم مقتنيات الدولة العراقية الثقافية والتاريخية والأثرية. قتل العلماء وتشريدهم. وعندما أحست أمريكا بأنها غير قادرة على الاستمرار العسكري وأنها فقدت أعدادًا كبيرة من قواتها أعلنت انسحابها من هذه المناطق.. فأمريكا خسرت وأصبحت مكان احتقار في نظر الدول الأوربية واعتبر جيشها لا يتناسب وما تتفيأ به أمريكا كزعيمة للعالم ويظهر ذلك من خلال إظهار قطب جديد يتمثل في الاتحاد الروسي والصين والذي يعيدنا مرة أخرى للحرب الباردة. إذاً بنيت رفاهية الشعب الأمريكي على مأساة الربيع العربي للأسباب الآتية: 1/ لا بد من إعادة ما فقده أوباما من تدني شعبيته لاستقبال الانتخابات القادمة برصيد يؤهله لدخولها. 2/ تغطية الهزائم الأمريكية بانسحاب جيوشه من المواجهة مع العالم الإسلامي والعربي. 3/ غير مسموح للعالم الإسلامي والعربي بالتعبير عن هزائم الجيش الأمريكي. 4/ ضرورة استمرارية تدمير البنية التحتية وخلق بؤر الخلافات وسط الشعوب العربية. 5/ غزو المنطقة العربية تحت مفهوم تغيير الأنظمة العربية ومدها بالسلاح والمخدرات والعملات المزورة تحت ظل ما يسمى بالربيع العربي مع استمرارية ما يسمى بالفوضى المدمرة وتجني أمريكا الآتي: 1/ دخول منظماتها وشركاتها لتحقيق أكبر قدر من الأموال لرفاهية الشعب الأمريكي. 2/ تدفع أمريكا بمجنديها للوصول لسدة الحكم لينفذوا سياساتها وأهدافها المستقبلية في كل الدول العربية واستمرار السيطرة على ثرواتها. 3/ تحقيق أمريكا أكبر قدر من المعلومات في ظل هذه الفوضى المدمرة عن الدولة في كل محاورها بخلق شراكة بينها وبين النظام الحاكم باستثمار هذه المعلومات.