منذ أن وعينا في الحياة وقناعتنا تزداد بأن الدول الغربية لا تضمر خيراً للعالم العربي والإسلامي ولعل أبرز هذه الحالة هي الدعم اللامحدود الذي تبذله هذه الدول لإسرائيل والتي قامت على ظلم عظيم للشعب الفلسطيني وكان أساسها هو إخراج شعب من وطنه واستبداله بشعب آخر كان موزعاً في أنحاء العالم، ثم جاء العدوان الثلاثي على مصر عام 56 لأنها أخذت حقوقها في قناة السويس لكي يعبئ الامة العربية والإسلامية ضد الدول الغربية وقد استفادت عدد من الدول العربية من الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي لاتقاء شرور أمريكا وحليفاتها من الدول الغربية، وغني عن القول أن بريطانيا عملت على تمزيق العالم العربي عندما زينت للشريف حسين حاكم الحجاز بالثورة ضد تركيا وتدمير خط سكك حديد الحجاز الذي كان يربط بين الجزيرة العربية وبلاد الشام وتركيا وانتهى الأمر الى تجزئة الشرق العربي إلى دويلات وظفر الشريف حسن بقطعة أرض صغيرة شرق نهر الاردن، وفي شمال إفريقيا احتلت فرنسا دوله واذاقت شعوبه الذل والهوان وعملت على مسخ حضارته وهويته والعمل على فرسنته مما جعل الشعب الجزائري ليثور ثورته المشهودة والتي سميت بثورة المليون شهيد والتي اقتلعت حكم المستعمرين الفرنسيين بينما بقي تلاميذها من الجزائرين الفرنسيين ثقافة وسلوكاً .. في السودان غزتنا بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر تحت مظلة خديوي مصر وقتلت الآلاف في كرري وأجهزت على رئيس الدولة الخليفة عبدالله التعايشي وقام كتشنر القائد الإنجليزي بالإجهاز على الآلاف من الجرحى إلى الحد الذي جعل الملكة فكتوريا تنتقد ذلك ورغم أن البريطانيين قاموا بتحديث التعليم والإدارة والقوات النظامية إلا أنهم ومن خلال سياسة المناطق المقفولة عملوا إلى إثارة النعرات الجهوية والعصبيات القبلية والعرقية وخلقوا لنا مشكلة الجنوب ومن بعدها مشكلتي جنوب كردفان والنيل الازرق. وظل الهدف من الغزو الاوربي للبلدان الاسلامية وغيرها من الأقطار هو استغلال الموارد الطبيعية والمواد الخام بهدف استيرادها وتصنيعها وإضافة عائد ضخم منها، مثل القطن في السودان الذي كانوا يستزرعونه بواسطة المواطن السوداني ويأخذونه قطناً بأسعار زهيدة ليقوموا بغزله ونسجه وبيعه بعشرات أضعاف سعر شرائه.. وتمكنوا من تحقيق بنية أساسية وخدمات متميِّزة لمواطنيهم وأصبحت الرفاهية التي يتمتع بها المواطن الغربي تتغذى بعرق ودماء وأرواح مواطني العالم الثالث. وفي السنوات القليلة الماضية قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا بغزو العراق بحجج واهية هي تطوير واحتفاظ عراق صدام حسين بأسلحة الدمار الشامل وبعد احتلال العراق بحثوا في كل أرجاء العراق ولم يجدوا أثراً لهذه الأسلحة المزعومة بعد أن قتلوا مئات الآلاف وجرحوا وعوقوا مئات الآلاف وهجّروا الملايين من بيوتهم وديارهم.. ثم جاء غزو أفغانستان انتقاماً من تفجير برجي نيويورك وبدلاً من أن تقوم أمريكا بتعزيز أمنها الداخلي لمنع أي اختراق مثل الذي حدث بتفجير برجي التجارة بنيويورك وكان ذلك سيكلفها جهداً ومالاً قليلاً مقارنة بما تكبدته من خسارة في الأموال والرجال عند غزوها وحليفاتها لأفغانستان وحجم الدمار الذي ألحقوه بهذه الدول ومئات آلاف المدنيين الذين قتلوهم دون وجه حق.. ما سبق ذكره هو غيض من فيض للمرارات المختزنة في الذاكرة العربية والإسلامية لعداوة الحكومات الغربية وجرائمها في حق العرب والمسلمين ولكننا الآن أمام حادثة مستجدة وهي قيام حلف الناتو بالتدخل لحماية الشعب الليبي ويلاحظ أن الولاياتالمتحدة ضربت القواعد الحيوية الليبية وفي غضون أيام قليلة وسرعان ماسحبت أساطيلها وواضح أن ذلك تم بضغط صهيوني لأن إسرائيل تفضل نظام القذافي على نظام ديمقراطي انتخابي يمكن أن يأتي بإسلاميين الى سُدة الحكم بينما استمرت كل من بريطانيا وفرنسا في حماية المدنيين والتصدي لآلة القذافي الحربية وقد أخبرني أحد الاخوة من مدينة بنغازي أن طابور المعدات العسكرية الذي ضربته الطائرات الفرنسية واقترب بنحو ثلاثين كيلومتراً منها بلغ طوله سبعين كيلو متراً وكان يحمل صواريخ طولها ستة وسبعة امتار وكانت أوامر القذافي لهذه الحملة العسكرية الرهيبة أنه يريد أن يقف في طرف بنغازي المتاخم للصحراء ليرى منه ساحل البحر الأبيض المتوسط أي أن يتم دك كل منازل وبنايات بنغازي وقتل سكانها البالغ عددهم نحو مليون نسمة، ولولا قدر الله جلت قدرته التي سخرت ساركوزي ليصدر أمره إلى طائراته الحربية بتدمير هذا الطابور لشهد العالم أسوأ مجزرة بشرية تقع في هذا القرن.. ورغم ما يثيره الكثيرون من أن التدخل الغربي لم يكن إلا لتحقيق مصالح تلك الدول مع ملاحظة أن مصالح هذه الدول كانت محفوظة ومرعية من قبل نظام القذافي ولابد أن نُقر أن الرأي العام الأوربي هو الذي ضغط على صانع القرار في هذه الدول بعد أن رأى في الأجهزة المرئية الفظائع التي كان يرتكبها القذافي ضد شعبه وقد خشيناً ان يمتد النفوذ الصهيوني للدول الأوربية كي توقف دعمها للثورة والحمدلله أن ذلك لم يحدث وربما لأن النفوذ الصهيوني في أوربا أقل منه في أمريكا .. وما أريد قوله ألا يمكن إستثمار موقف أوربا من ليبيا لنحاول أن نجعل منه مناخاً لإيجاد حالة من التوافق وتحقيقاً لمصالح مشتركة بيننا وبينها وحتى القضية الفلسطينية فالدول الاوربية تقف مع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع كما تقف ضد المستوطنات الاسرائيلية وتمددها في الاراضي الفلسطينية. هذه دعوة للتأمل في هذا الموقف والنظر في إمكانية استثماره لتأسيس علاقة ندية وتحقيق مصالح متبادلة لتطوير هذه الحالة النادرة التي دعمت فيها أوربا حق الشعب الليبي في الحرية والإنصاف من أعتى أنواع الدكتاتوريات في التاريخ الحديث.