توقع مراقبون ألا تقع دولة جنوب السودان في مرمى نيران الشكوك، أو تحرز هدفاً في مرماها يؤكد هشاشة دفاعها عن ما طفقت تدسه عن العيون، وتُلبسه لباس الستر حتى لا يطلع عليه الناس... توقع مراقبون أن تنأى دولة الجنوب بنفسها عن قيادة تحالف الجبهة الثورية سياسياً أو عسكرياً، وتستخدم بدلاً من ذلك الدعم الفني واللوجستي، وعامل الأرض للكر والفر وتنظيم الصفوف، والتجنيد والتدريب كوسائل للقيادة والسيطرة... لكنها خيّبت الآمال وأكدت أن العقل يهبه الله لمن يشاء وينزعه ممن يشاء، وهو على كل شيء قدير.. مخابرات غبية: لعبت مخابرات دولة جنوب السودان «أغبى» دور يمكن أن تلعبه مخابرات في العالم، حيث مهدت لجو عكر وهي تبذر بذرة الشك لدى قيادات تحالف الجبهة الثورية، فكان أن دبرت محاولة اغتيال مناوي، ثم مهدت لخروجه إلى يوغندا، ليعقد اجتماع مع أعوانه هناك ويناقش تفاصيل الحادثة، وفي الاجتماع يؤكد نائب رئيس الحركة د. الريح محمود أن مخابرات دولة الجنوب تحصلت على أدلة تثبت تورط حركة العدل والمساواة في محاولة تصفية مناوي على اعتبار أنه المنافس الوحيد لهم في رئاسة تحالف الجبهة الثورية... من جهة أُخرى أرسلت مخابرات الحركة عربة خاصة لعبد الواحد محمد نور تتبعها حراسة مشددة، وذلك بغرض تأمين وصوله لمدينة بور بولاية جونقلي لتشعره بأنه رئيس التحالف القادم وأن دولة الجنوب تدعم ترشيحه لجهة عدم اطمئنانها لخلفية حركة العدل والمساواة الإسلامية... وفي السياق كانت مخابرات دولة الجنوب تمني جبريل إبراهيم برئاسة التحالف لموقفه بالميدان وأن حركته هي الوحيدة القادرة على خوض معارك في الوقت الراهن... وهكذا تمهد مخابرات دولة الجنوب لأجواء خلافية تتيح لها فرصة تقديم حلول توفيقية تدعم سيطرتها على التحالف.. خلافات ما قبل الحسم: وبالفعل شهدت اجتماعات تحالف الجبهة الثورية لاختيار رئيس للتحالف وتكوين الهياكل.. شهدت خلافات حادة، كادت تعصف به، وذلك بعد أن تقدم قائد أركان الجيش الشعبي ومسؤول ملف تحالف الجبهة الثورية العميد أكول أكوت دينق.. تقدم بمقترح أطلق عليه اسم: «مقترح دولة الجنوب»، وقد أكد المقترح أن دولة الجنوب لا تطمح في رئاسة التحالف، وأنها ستكون مسرورة حال تقلد أحد قادة الحركات الدارفورية الثلاث لهذا المنصب، وبهذا حققت دولة الجنوب هدفين: الأول هو الظهور بمظهر الزاهد في قيادة التحالف، والثاني هو علمها بأن قادة حركات دارفور لن يتوافقوا على أحدهم بعد الإشارات السالبة والجو العكر الذي جعلت منه دولة الجنوب أرضية انطلاق لمفاوضات متعثرة.. صعقة كهربائية حتى لا يتوقف النبض: ولما كان الخلاف على أشده بين قيادات الحركات الدارفورية، كان اللواء ماج بول رئيس مخابرات دولة الجنوب يخرج من مكتب السيد سلفا، وقد وقع الأخير على هيكلة أعضاء المجلس القيادي للجبهة الثورية.. ثم يستغل ماج عربة «مجهزة» تنطلق به إلى حيث يشتد الخلاف... إلى مدينة بور، وهناك يدخل اللواء ماج في اجتماع حاسم مع قادة الحركات الدارفورية بحضور مالك عقار وياسر عرمان وأبو القاسم إمام الحاج ود. الريح محمود وآخرين، ويقول: إن دولة الجنوب ظلت تتابع بقلق خلافات قادة التحالف، ورغم أنها كانت تفضل أن تبقى بعيدة إلا أن ذلك كان سيعصف بالتحالف، لذا أنقل لحضراتكم قرارات رئيس دولة الجنوب وهي كالآتي: الفريق/ مالك عقار اير - رئيساً للمجلس القيادي... عبد الواحد محمد أحمد النور - نائباً لرئيس المجلس القيادي ومسؤول القطاع السياسي... مني أركو مناوي - نائباً لرئيس المجلس القيادي ومسؤول القطاع المالي... د/جبريل إبراهيم محمد - نائباً لرئيس المجلس القيادي ومسؤول القطاع الخارجي... عبد العزيز آدم الحلو رئيساً لهيئة القيادة العسكرية المشتركة... كما شمل القرار تكوين أمانات قطاعات السياسي والمالي والخارجي. عاصفة ما بعد القرارات: لم يستطع أحد القادة الدارفوريين الاعتراض على قرارات رئيس دولة الجنوب والتي وضعت الحركات الدارفورية بين فكي الحركة الشعبية والجيش الشعبي، ولم تترك لهم خيارًا غير القبول بهذا الوضع لحاجتهم للأرض وللدعم اللوجستي... لكن القرارات لم تكن لتُرضي طموحات القوات بالميدان، فقد صرحوا برفضهم سيطرة الحركة على السلطة السياسية والعسكرية، معتبرين أن ذلك سوف يضعهم تحت رحمة وتصرف الجيش الشعبي، وسوف يخوض بهم المعارك في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقد صرح بعضهم بأن القتال خارج نطاق دارفور لا يعنيهم... وأكد البعض الآخر أن القرارات لا تلزم إلا من وقّع عليها، وهم منذ الآن سوف يبحثون عن قيادات بديلة تواصل مسيرة النضال في دارفور.. السطر الأخير في كراسة التحالف: ثم يُكتب على كراسة تحالف الجبهة الثورية، أنه بتاريخ 19 فبراير من العام الفين وإثني عشر تم «التوافق» على هيكلة تحالف الجبهة الثورية، وأن الوقت مناسب تماماً للإعلان عن التحالف من خلال القيام بعمل عسكري كبير، ثم تزدحم بالسطر الأخير التوقيعات، لكن التوقُعات تذهب بالتحالف في اتجاه النهاية.. فلم يحمل التوقيع يوماً ما «بندقية»!!