أصبح انفصال دويلة الجنوب بالنسبة للسودان مأساة حقيقية بدلاً من أن تكون علاقات حسن جوار وتعاون رغم ما قدمته السلطة لهم من التسهيلات ما جعل استفتاءهم لتأسيس دولتهم ينساب كالسلسبيل رغم أن جهات عدة كانت تظن غير ذلك. ومن هنا بدأت العلاقات استمراراً في التساهل من جانب الخرطوم ومؤامرات واعتداءات من جانب جوبا وكأنما يصدر ذلك عن حقد دفين وجد متنفساً له فخرج من قمقمه لنصبح في حالة من عدم الاستقرار والآتي حسبما نرى سيكون أعظم. لقد وضح دون أدنى شك أن جوبا تستخدم في تعاملها معنا الكذب وسياسة الغش والخداع حتى أصبح كل ذلك مكشوفاً بل ومفضوحاً. وإن آخر فصول هذه المأساة الهجوم الغادر على بحيرة الأبيض بقوات قوامها «1500» ضابط وجندي ومزودة بأحدث الأجهزة وأتت هذه المرة مزودة بدبابات إسرائيلية تعمل بكاتم صوت ومناظير للرؤية الليلية، والغريب في الأمر أن جوبا نفت في اليوم الأول هذا الاعتداء ثم جاءت في اليوم الثاني لتعترف به ضمن سياسة التضليل التي أصبحت سمة لها. والمؤسف أن حكومتنا رغم معرفتها التامة ببواطن أمور هذه الألاعيب إلا أنها ظلت تتعامل مع هذه الدويلة التي ما زالت في طور الرضاعة بمد حبال الصبر والحكمة التي في غير محلها. وما يزيد من حزننا أن خرطومنا قررت أن تحتج «رسمياً» للأمم المتحدة على هذا الاعتداء وهنا نسأل: كم مرة حدثت مثل هذه الاحتجاجات ولم تأت بنتيجة، ألم تحتج خرطومنا من قبل على بقاء قوات الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وعلى دعم جوبا للمتمردين عبد العزيز الحلو ومالك عقار واحتضان جوبا لحركات دارفور المسلحة ودعمها عسكرياً وتشكيل تحالف وجبهة ثورية لها؟ فهل سمعنا حتى مجرد دعوة رقيقة من الأممالمتحدةلجوبا أن أوقفي ما تقومين به ضد استقرار السودان هل سمعنا شيئاً من ذلك؟ لم نسمع وأكيد أننا لن نسمع ذلك لأن الأممالمتحدة أصبحت «الأممالمتحدةالأمريكية» وأن دويلة سلفا كير بالنسبة لأمريكا كإسرائيل وبان كي مون يعلم هذه الحقيقة علم اليقين ولا يحتاج لفهمها لدرس عصر كما يقول الأستاذ الطيب مصطفى. ولهذا كله نرى حكومة عصابات دويلة الجنوب سادرة في غيها ونحن لا نزال نتعامل معها بكل حسن نية وكل تساهل وتعلم حكومتنا علماً لا يتطرق إليه أي شك أن جوبا لا تفعل ذلك وحدها وإنما هي مدفوعة بدول غربية على رأسها أمريكا بجانب إسرائيل من أجل تنفيذ سياسة السودان الجديد عن طريق تفتيت البلاد إلى عدة دويلات ومحو هوية الشعوب العربية والإسلامية. يقول الحديث الشريف إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فلماذا نلدغ نحن من جحور هذه العصابات مرات ومرات ولا يكون رد فعلنا بنفس القوة. أخيراً أقول إن الأممالمتحدة لن تنصرنا على دويلة الجنوب طالما أنها بالنسبة لأمريكا في هذه المنطقة كإسرائيل طفلتها المدللة والتي ستنفذ لها أهدافها الخبيثة. وحتى لا يتسع الخرق على الراتق لا بد من مواجهة المؤامرات والاعتداءات بكل حسم وحزم وقوة وإلا فلات ساعة مندم. هامش: مرة أخرى أعيد قول الشاعر: إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا