شهدت قاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات يوم أمس الأول 6 ربيع الثاني 1433ه الموافق 28 فبراير 2012 انطلاقة أكبر حملة شهدها السودان منذ استقلاله لإقرار دستور دائم يكون ثمرة وحسن ختام لمجاهدات أهل السودان في طريق الحق وطريق الدعوة إلى الله منذ الاستقلال. وكان الحضور إعلامياً وفكرياً نوعياً ولم يكن جماهيريًا وكان المقصود من الدعوة إعلان انطلاقة المشروع وإذاعة البيان التأسيسي لجبهة الدستور الإسلامي التي ضمت تحت جناحيها كل ألوان الطيف الإسلامي الدعوي والفكري والسياسي والتي تفترق في الأسماء و تلتقي في المسميات وكان في المنصة ممثلون للتيار الصوفي والتيار السلفي والمنظمات الدعوية والخيرية وبعض القامات العدلية والفقهاء الدستوريين ولم تخلُ القاعة من ممثل لأي من التوجهات الإسلامية التقليدية وإن صحت العبارة والعصرية والسياسية والفكرية بل والأكاديمية، وإن ما تجدر الإشارة إليه أن اللقاء أو على الأصح المؤتمر الإعلامي أخذ نفسه فما نفثته وجاءت به صدور القيادات الإسلامية التي واكبت حملات الدستور المتعاقبة في السودان على مر العصور منذ عام 1955 وعام 1956 وأعوام 1968، و1974 و1983 و1998 و2005 بالرغم مما بين هذه الحملات من التقارب والتباعد حسب الحال وحسب الظرف. لذلك جاء نفث الصدور مؤتفكاً على ما به من الاختلاف ومتوحداً على ما به من التنوع ومصادماً على ما به من التلطف. والذي أستطيع أن أصرح به وأنا على يقين أني لم أفتئت ولم أتجنّ هو أن كل الذين حضروا ذلك اليوم يؤملون بل ويطوون في جوانحهم أكبر الآمال على أن تتوج الإنقاذ مسيرتها بالأوبة الكاملة إلى الله.. فهي وقد شرعت في محاربة الفساد الإداري والمالي والتنفيذي حتى أذنت شمسه بالأفول فقمين بها أن تشرع في محاربة الفساد الدستوري، وأنا لا أريد أن أعتذر عن أي قول بدر من فرد مهما كان موقعه فالجميع كانوا يحاولون إحياء حق طالت إماتته وقد سنحت الفرصة وإن لصاحب الحق مقالاً.. فعبّر كل واحد بما أسعفته به قريحته وكان كل شيء عفو الخاطر ووليد اللحظة. أما البيان التأسيسي لجبهة الدستور الإسلامي فقد جاء بحق معبراً عن آمال الأمة وليس فقط شعب السودان وجاء متوازناً ومعبراً وقوياً وحاسماً وحكيمًا. وقد خاطبت به الضمائر.. واستحثت به الزعامات السياسية والوطنية والقبلية وقيادات الدولة وقادة الرأي وحمّلت كل طائفة وكل فرقة وكل فرد رجلاً أو أمرأة نصيبه من المسؤولية وإليكم نص البيان: بسم الله الرحمن الرحيم البيان التأسيسي لجبهة الدستور الاسلامي «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» آل عمران :103 «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» المائدة:50 إن الاحتكام إلى شرع الله تعالى هو أساس العقيدة الإسلامية الذي به تتحقق العبودية الخالصة لله تعالى وبه يكون الدين القيم.. «إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ» يوسف :40 ولا إيمان لمن لم يحكم بشرع الله تعالى «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا» النساء:65 وقد أمر الله تعالى المؤمنين بإقامة الدين «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» الشورى:13 مراحل الدعوة إلى تطبيق الشريعة في السودان إن الدعوة لتحكيم شرع الله وجعله أساساً للحكم والسياسة والقانون في السودان قد مرت بمراحل عديدة في التاريخ الحديث بدأت قبل الاستقلال عبر اللجنة الإسلامية للدستور التي تكونت في سنة 1954م وقد اجتمعت عبرها كلمة المسلمين على اختلاف تياراتهم وجماعاتهم في ذلك الوقت. تطورت الأمور بعد ذلك في شكل جبهة جامعة باسم الجبهة الإسلامية للدستور في 1956م وظلت الجهود متواصلة تغالب أصحاب الهوى ودعاة العلمانية حتى تبلورت في المرحلة التالية جبهة الميثاق الإسلامي في العام 1964 لتقود عملاً أكثر تنظيماً وجمعاً للمسلمين في السودان حتى إنها خاضت الانتخابات تحت شعار الدستور الإسلامي ونجحت في إدخال عدد من نوابها في الجمعية. ومن داخل الجمعية التأسيسية استطاعت الجبهة عبر نوابها إقناع الغالبية العظمى من النواب لوضع الأساس لدستور دائم قائم على مبادئ الإسلام وتشريعاته لولا مؤامرة العلمانية والقومية وقوى اليسار التي كان السبب الأساس في انقلابها في 25 مايو 1969م هو إجهاض هذا المشروع العظيم. ثم بعد ذلك.. مرت الحياة الإسلامية في البلاد بتقلبات وانقسامات وتيارات تمييع أبعدت المسلمين في هذا البلد عن هذا الهدف السامي العظيم وحرمت الأمة من تمكين دينها حيث طمست هويتها وأعطت غير المسلمين من الحقوق ما ليس لهم خصماً على حقوق ومكتسبات المسلمين وقدمت التنازلات المهينة عن أعظم حقوق المسلمين وعقدت الاتفاقيات المذلة وسادت لغة «الدغمسة» والعبارات غير المفهومة لأحد. وقد آن الأوان بعد عودة الوعي والرجوع إلى الحق كما أعلن ذلك السيد رئيس الجمهورية في خطابه الشهير مما قوى العزم على تصحيح المسار وتطبيق الشريعة تطبيقاً صحيحاً بعيداً عن الدغمسة كما تهيأت الأوضاع عبر الثورات الشعبية الأخيرة في بلاد المسلمين التي أطاحت أنظمة الضلال والانحراف التي قطعت الطريق أمام البعث الإسلامي زمننًا طويلاً ومكنت أعداء الإسلام من مقدسات وأموال ورقاب المسلمين وديارهم عبر حقبة سوداء من تاريخ المسلمين وسنحت الفرصة اليوم للمسلمين لإحقاق الحق وإبطال الباطل ولو كره المجرمون وانتزاع الحقوق عبر حركة تضامنية تجمع شتات المسلمين في هذا البلد وتوحد إرادتهم وعزائمهم لتثبيت شرع الله وتحكيمه من خلال دستور إسلامي خالص بلا ندوب ولا عيوب على منهاج أهل السنة والجماعة لتقوم على أساسه الأحكام التشريعية والقوانين المنظمة للحياة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والنظم الإدارية والعلاقات الخارجية حتى تكون مبادئ الإسلام هي أساس الحقوق والواجبات في الدولة فيجد كل رعاياها حقوقهم المشروعة دون ظلم أو عدوان. وبناءً على كل ما تقدم نعلن البيان تأسيس الجبهة الإسلامية للدستور في السودان من كل القوى الإسلامية فيه دون عزل لأحد لتقوم عبر علماء المسلمين في السودان وعامتهم بجهد منظم للمطالبة القوية بالدستور الإسلامي وتطبيق الشريعة في كل مناحي الحياة وتوعية المسلمين وحشدهم لهذا العمل العظيم والجهاد الحق بكل الوسائل لتحقيق هذا الهدف وندعو كل الجماعات الإسلامية والأحزاب الإسلامية ومشايخ الطرق الصوفية والمنظمات الإسلامية للتوقيع على هذا البيان ليكون ميثاقاً يحكم المسار ويجمع الصف ويقوي الجهود في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلادنا. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.