الخرطوم : حسن بركية (نحن شعب السودان المسلم –سعياُ منه لتأسيس حياتنا في كافة مجالاتها علي المنهاج الذي يرضي الله ورسوله، ويضمن لنا سعادة الدارين، قد إرتضينا هذا الدستور –المرتكز علي المبادئ الإسلامية وفق منهاج أهل السنة والجماعة- ليكون أساساً لكل قانون أو نظام يحكم كل شئون حياتنا).هكذا تقدم جبهة الدستور الإسلامي مشروعها الذي يسمي ‘‘ مشروع دستور دولة السودان‘‘وفي الأسبوع المنصرم عقدت الجبهة مؤتمرها التأسيسي في وقت تشتعل فيه أجزاء عديدة من السودان ونذر الحرب تطل من ناحية الجنوب وإرتفاع جنوني في الإسعار وضنك في المعيشة وتفشي الفساد ولكن كل هذه القضايا المصيرية كانت غائبة في مائدة الدستور الإسلامي وكأن ال23 عاماً كانت بلا شريعة أو دستور، والواقع السوداني بتعقيداته الكثيرة يطرح جملة من التساؤلات حول جدوي محاولة الإصطفاف حول مفاهيم وشعارات كانت محصلتها أن البلاد فقدت الوحدة ولم تكسب السلام. وكان الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) يروج لفكرة الإنفصال تحت مبررات الهوية والشريعة تحت لافتات أو منابر تنمو تحت كنف ورعاية السلطة،وذات مرة قال الدكتور حسن مكي المحسوب ولو نظرياً علي التيارالمعتدل في المؤتمر الوطني( يمكن أن تكون فكرة الدولة العلمانية مقبولة لكن عملياً المقصود بها أن تتحالف قوات جنوب السودان مع جيوش اليسار السوداني وتحكم السودان التيارات العلمانية، ويصبح مثله مثل أوغندا وإثيوبيا). في أكثر موقف كان حزب المؤتمر الوطني يظهر مدي إرتباطه بجماعات سلفية ودينية ، تحاول قيادة الحزب إرضاء هذه الجماعات التي تضخمت وترعرت تحت المظلة السلطانية بشعار الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي و(حديث الدغمسة) حيث يتولي صاحب المنبر الدعاية والرعاية الرئاسية.وللمؤتمر الوطني تحت كل المسميات( الميثاق والجبهة) سجل حافل في إستغلال الدين لأغراض سياسية والذاكرة لاتزال منتعشة بمواقفهم وأفعالهم في الديموقراطية الثالثة حيث قاموا بعمل مايسمي بثورة المصاحف،مطالبين بتطبيق الشريعة الاسلامية وقد رفضوا اتفاقية الميرغني قرنق التي هدفت الي احلال السلام وايقاف الحرب. وفي إطار ردود الأفعال التي صاحبت عقد المؤتمر التأسيسي لجبهة الدستور الإسلامي أصدرتحالف المعارضة (قوي الإجماع الوطني) بياناً ندد فيه بمخرجات جبهة الدستور وما أسماه (إصطفاف الفاسدين والمهوسين) وقال البيان ‘‘وهي دعاوى لن تنطلي على شعبنا ولن ترهبنا أو تخيفنا وسنقاوم نحن في قوى الإجماع الوطني كافة دعاوي الاستبداد والعسف والظلم الاجتماعي والجهوي وسنعمل على اقتلاع النظام بكافة الوسائل والآليات الديمقراطية المجربة... الخ‘‘ والبيان يعكس تحول لو كان جزئياً في مواقف أحزاب المعارضة الرسمية فقد ظلت في حالة وتردد في مواجهة تمدد التيارات السلفية والجهادية وأصبح معتاداً أن يفر قادة المعارضة من كلمة (العلمانية) فرار السليم من الأجرب في زمان مضي، وجلبت المواقف الرمادية لقادة المعارضة في قضية العلاقة بين الدين والدولة متاعب لاحصر لها وصلت مرحلة تمددت فيها السلفية (ودخلت حوش الاحزاب). يقول الدكتور حيدر ابراهيم في مقال منشور ‘‘خسر السودان كثيرا من الاصرار علي اقحام الدين في السياسة، وتستخدم قضية الشريعة لإبتزاز المعارضين والمخالفين وتستغل مرة اخري حين تطبق الشريعة علي الفتيات المستضعفات والمسكينات،ويترك اصحاب الملافح والكروش الكبيرة التي تضخمت بمال السحت والبنوك والنفرة الزراعية.‘‘ وتقف قوي معارضة ذات خلفيات إسلامية بعيدة نسبياً عن منبر جبهة الدستور، في حين وقع حسن أبوسبيب القيادي الإتحادي وممثل الطريقة الختمية علي ميثاق الجبهة في حين قال حزب المؤتمر الشعبي أن نائب الأمين العام للحزب الدكتور عبد الله حسن أحمد وقع علي الميثاق بالصفة الشخصية وأنه لايمثل الحزب وقال كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي في تصريحات صحفية الجبهة الوليدة بعيدة عن ثقافة الحقوق والدستور، مشيراً إلى أن أفكارها ومقترحاتها تتّسم بالشمولية. وأضاف عمر:مقترح المجموعة لا يحمل من الإسلام إلّا الاسم، وأن الدستور الإسلامي لا يناقش بهذه الطريقة. وقفت هيئة شئون الأنصار خارج أسوار جبهة الدستور الإسلامي حتي هذه اللحظة، ومن المعروف أن حزبا الأمة والشعبي لايرفضان الشريعة بصورة قطعية بل الخلاف مع مكونات الجبهة حول الوسائل وبعض التفاصيل، ولم يقل إمام الأنصار يوماً بأنه مع فصل الدين عن الدولة أو السياسة بل هو الوصل بين الدين والدولة ولكن بوصفة مختلفة ووسائل أخري. وتجهد مكونات ‘‘ جبهة الدستور الإسلامي‘‘ نفسها لتوحي للناس بأنها جسم مختلف عن المؤتمر الوطني وكان لافتاً أن صحيفة المنبر طلعت بمينشيت يحذر الحكومة من مغبة التراجع عن الدستور وكأن الجبهة ترفض أبوة الوطني في الظاهر ولكن الناطق الرسمي بإسم المؤتمر ابراهيم غندور كشف بعض المستور لبعض الذين (لايعلمون) وقال رداً علي سؤال حول التهديدات التي أطلقتها جبهة الدستور الإسلامي للحكومة ‘‘"لا ننظر لما صدر عن الجبهة باعتباره تهديداً ونؤكد أن المؤتمر الوطني فكراً وعقيدة يؤمن بأن الدستور الإسلامي هو الطريق لحكم هذا الشعب الذي فوضنا في الانتخابات الأخيرة، وتابع: هذا لا يحتاج إلى تهديد أو تذكير‘‘. ومن المفارقات أن الدعوة للدستور كانت دعوة لخرق كل الدساتيروالأعراف والقوانين، حيث قال بيان جبهة الدستور الإسلامي ( وبناءاً علي ماتقدم نعلن البيان تأسيس الجبهة الإسلامية للدستور في السودان من كل القوي الإسلامية فيه دون عزل لأحد... الخ)ومنذ البدايات كشفت الجبهة عن وجهها الشمولي والتناقض الحاد بين الأقوال والأفعال فهي تقول دون عزل لأحد ولكن عملياً هي عزلت وفرضت مسبقاً كل تصوراتها الأحادية علي كامل النسيج السوداني وبل مضي أحد أعضاء الجبهة أكثر من ذلك عندما خلال مداولات المؤتمر التأسيسي سيكون هذا الدستور هو دستور السودان مهما كان موقف الحكومة، وإلا كيف ستقدم الجبهة دستورها للهيئات التشريعية (حتي مع علاتها)هل هي حزب ومن تمثل وكيف سيتعامل معها البرلمان أو مجلس الوزراء، ومن هو الذي أعطي الجبهة حق التحدث بإسم الشعب السوداني وأسئلة أخري كثيرة تظل معلقة في رقبة السلطان الذي كان ولا زال المفرخ الأساسي لهذه الجماعات،أما قضايا الحرب والفقر والفساد والمحسوبية وتدهور المشاريع الكبري وتقلص المساحات المزروعة في القطر وتزايد أعداد الفقراء وإرتفاع نسبة البطالة وغيرها فهي لاتهم هؤلاء ولاتقارن ألبتة بقضايا الهوية والدغمسة!!