ما زالت دولة جنوب السودان الوليدة تدفع ثمن تعنت الحركة الشعبية القاضي بفرض سيادتها الهمجية على الموارد واستخدام المكايدات السياسية التي ورثوها من عقلية حرب العصابات في معالجة الملفات الشائكة مع الخرطوم وقد بدأت دولة الجنوب في دفع ثمن استهتار الحركة الشعبية وتعاملها غير المسؤول فيما يخص ملف تقاسم عائدات النفط بعد أن أصبح جليًا أن الدولة تنزلق نحو حافة الانهيار الاقتصادي وهروب المستثمرين وتراكم الديون وفوائدها الفلكية هذا فضلاً عن ارتفاع تكاليف المعيشة والارتفاع الجنوني في الأسعار والشح الشديد في الوقود ومدخلات الإنتاج، ويقول تقرير نشره موقع سودان تربيون إن حكومة جنوب السودان تواجه أزمة مالية حادة بسبب إغلاق خط أنابيب النفط الأمر الذي يحتِّم عليها إيجاد تسوية متفق عليها من خلال مفاوضات ذكية مع حكومة السودان، وبحسب تقرير نشرته صحيفة الفاينانشيال تايم فإن قرار الجنوب وقف ضخ النفط لا يهدد فقط الاستثمارات الأجنبية التي بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا بل إنه قد يؤدي إلى انهيار الدولة التي تعتبر الأشد فقرًا والأكثر هشاشة إذ يذهب «40 %» من إجمالي الدخل القومي والذي يعتمد كليًا على النفط إلى الجيش كما أنه يضع كامل شعب الجنوب والبالغ عددهم ثمانية ملايين تحت خط الفقر مع احتمال طرد نصف مليون جنوبي من الشمال، وعليه يجب إنجاح محاولات تسوية هذا النزاع التي يتزعمها الاتحاد الإفريقي وسط مفاوضات دبلوماسية يتحلى فيها الطرفان بالشفافية بعيدًا عن جراح الماضي ذلك أن اقتصاديات البلدين سوف تتضرر بشدة حال انهارت المفاوضات ووصلت إلى طريق مسدود، وبحسب المقال فإن شعبي البلدين في حاجة إلى الوصول لتسوية سلمية تبعدهم عن شبح الحرب الذي عانوا ويلاته طويلاً الأمر الذي يحتم على طرفي التفاوض قبول تعريفات دولية عادلة ومعقولة لاستخدام خط الأنابيب كمشروع تجاري يدرّ دخلاً على البلدين خاصة وأن السودان يعتمد بشكل كبير في اقتصاده على البترول كما على جنوب السودان دعم اقتصاد الشمال لمدة أربعة أعوام قادمة حتى يطور مصادر دخل بديلة وذلك أن جنوب السودان ليس له بديل لتصدير نفطه في الوقت الراهن سوى عن طريق السودان وذلك أن بناء خط أنابيب جديد عبر كينيا أو إثيوبيا أو جيبوتي سيستغرق وقتًا طويلاً هذا فضلاً عن أنه سيكلف مليارات الدولارات وعليه هل ستتمكن دولة جنوب السودان من البقاء على قيد الحياة ككيان اقتصادي حتى انتهاء خط الأنابيب؟ خاصة وأن البلاد قد بدأت تبحث عن المنح والقروض لسد الفجوة الاقتصادية بحسب ما أوردته الفاينانشيال تايمز وبالرغم من أن دولة الجنوب ستصبح عضوًا في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلا أنها تحتاج إلى فترة لا تقل عن عام حتى تضمن القروض كما أن الجهات المانحة لا تقدم منحًا في الوقت الراهن بسبب تفشي الفساد، هذا فضلاً عن الضرر الذي قد تحدثه هذه القروض على المدى الطويل والقصير بسبب التضخم الهائل في فوائدها.. إن من مصلحة جنوب السودان بناء علاقات بنّاءة مع جاره السودان والكف عن العدائيات التي من شأنها نزع فتيل التوتر بين البلدين وإذكاء نار الحرب التي تفتك بالموارد البشرية والمالية كما يجب أن ينخرط الجانبان في مفاوضات دبلوماسية مثمرة تضع الأولوية لمصالح البلدين.