شمال كردفان ولاية تتعدد فيها أنواع الأراضي منها القيزان والرسوبية ثم الأراضي الطينية المتشققة والوديان حيث تبلغ المساحة الكلية للولاية 58,7% مليون فدان الصالح منها للزراعة والرعي 38,9% مليون فدان كما أن 80% من جملة سكان الولاية البالغة ثلاثة ملايين يمارسون حرفتي الزراعة والرعي التقليديتين باعتماد شبه كامل على التمويل الذاتي الأمر الذى جعل عددًا كبيرًا من أهل الولاية يفكرون في وسائل جديدة للخروج من الأزمات والتعقيدات التي أقعدت بهذين القطاعين الحيويين والمتمثل أغلبها في شح الأمطار والتغيُّرات المناخية التي أثرت على الإنتاجية.. في محلية ودبندا وقفت «الإنتباهة» على تجربة ذاتية رائدة وهي مزرعة متكاملة لتحقيق الكفاية في الغذاء والارتقاء بالإنتاجية الزراعية والحيوانية وفق رؤية متقدمة في المنهج وبساطة في التطبيق، عمر عبد القادر أحمد الحاج صاحب التجربة جلست إليه وسط مزرعته بمنطقة «صقع الجمل» حيث حوض «الصقع» الجوفي وهي مزرعة مختلطة لإنتاج المحاصيل الزراعية وتربية الحيوان إلى جانب تقديم خدمات التسوق وتقشير الفول السوداني وطاحونة للغلال. عمر قال إنه عاد إلى مسقط رأسه صقع الجمل قبل سبع سنوات وقتها كان مقيماً بمدينة الخرطوم بحري وقد عمل مديراً تنفيذياً لمحلية بحري لكنه طلب نقله إلى كردفان لخدمة أهله ولجهة أن وسائل العيش في البادية أفضل من حياة المدينة حيث كان طلبه مكان دهشة ديوان الحكم المحلي، عمر يواصل الحديث ويقول: عندما جئت بدأت الحديث مع مربي الماشية بضرورة تغيير نمط التعامل مع القطيع وتربية الحيوان ولا بد أن يقوم النشاط على القيمة الإقتصادية وطلب السوق كما أنني وجدت معاناة شديدة في الحصول على البن والخضروات ففكرت في المزرعة لإنتاج الغذاء والبن ثم الاستفلدة من خصائص المنطقة في الإنتاج الزراعي وتربية الحيوانات، ثم الهدف الأكبر كان تربية أبنائي على ثقافة العمل الحر والمسؤولية، وبيان بالعمل أمامكم إنتاج الزرعة من الفجل والجرجير والطماطم كما نستعد لزراعة المحاصيل الصيفية كالبامية والبامبي والأسود ولعلمك الحديث ل«عمر» الإنتاج غير مكلِّف وبدون سماد فقط جلبت عمالاً محترفين من الأضية والجزيرة ثم أتيت بأبناء المنطقة لنقل الخبرة ورفع القدرات والتحول من السلكاب للري المحوري ويضيف «عمر» ولقد زرعنا هذا العام الفول السوداني بهذا التراكتور وكانت الإنتاجية عالية جداً وقد أثبتت الآلة نجاحها والاتجاه للمحراث بعد تسرب العمال التقليديين للعمل فى الذهب، التحدي الآن أمام الحكومة والجمعيات التعاونية يتمثل في إجراء الدراسات العلمية لتطوير هذين القطاعين، ما قمت به كان يمكن أن تقوم به النقابات والجمعيات لكن للأسف ضعيفة بل غائبة كما أن تكلفة هذا العمل متواضعة جداً. عمر عبد القادر يسترسل ويقول: في هذه الفكرة ركزت على تغيير نظام التعليم الأكاديمي والاتجاه للبديل المماثل وهو مدرسة الحياة، وأن يصبح الطالب منتجًا حتى لا يصبح المزارع مصدومًا دائماً يدفع دم قلبه في تعليم ابنه وفي النهاية لا يجد وظيفة والآن أبنائي يذهبون للدراسة وبعد العودة يعملون في الزراعة والرعي وغيرها من الأعمال. وراء كل رجل عظيم امرأة «بدور باسبار بخاري» زوجة عمر عبد القادر وقفت بجانب الفكرة وناصرتها وصبرت على التحول المفاجئ في حياتها من بيئة المدينة والحضر إلى بيئة البداوة ومنزل عبارة عن خيمة وراكوبة فقد تحدثت بدور لنا وهي في غاية السعادة كما قالت، وقد قالت عن زوجها إنه وفي ومخلص لخصته في «عمر زول مبادر وعندو أفكار حلوة بس عايز زول يفهمو ويساعدو» وأضافت: «نعم كنت متخوفة من المجهول في البداية وأهلي كذلك لكنني بعد تجربة عملية مع حياة البادية والريف أقول بصدق إن أجمل حياة هي العيش مع إنسان الريف ونحن اليوم نتغذى طبيعياً معتمدين على إنتاج المزرعة. أكد عمر أن فكرته وجدت تجاوباً ورواجاً في المنطقة وقد بدأت تنداح وأن أكثر من 15 محطة ماء جوفية شرع أبناء المنطقة في إنشائها وبالفعل قد تم حفر خمسة منها والبقية قادمة. على كل هذه تجربة تستحق التوقف عندها لأن قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية فى كردفان بحاجة إلى مراجعة للتطوير من التلقيدية إلى الحداثة والتقانة..