إستعرض برنامج (عبق الزمان) في قناة الشروق سيرة رئيس الوزراء ووزير الخارجية السياسي والأديب والمحامي والشاعر محمد أحمد محجوب. وقد شارك في الحلقة التلفزيونية المميَّزة، السيد رئيس القضاء والوزير والمحامي والشاعر دفع الله الحاج يوسف، أحد الذين يعرفون المحجوب عن قرب قريب. كما شارك في الحلقة التلفزيونية عن المحجوب، الدكتور الباحث والمرجع عبد الله حمدنا الله. السيد/ محمد أحمد محجوب (8091 6791م) رئيس الوزراء عن حزب الأمة، كان يكبر الدكتور حسن الترابي بأربعة وعشرين عاماً، ويكبر السيد/ الصادق المهدي بثمانية وعشرين عاماً. ورغم ذلك كان متضايقاً منهما، كما كتب في مذكراته. وقد اشتهر المحجوب بطيبة القلب، كما ذكر السيد أحمد خير وزير الخارجية الأسبق. كذلك وصف أحمد سليمان المحامي الوزير المحجوب بطيبة القلب. في فترة أكتوبر 4691م عندما كان المحجوب في السادسة والخمسين من العمر، كان متضايقاً من الدكتور الترابي والسيد/ الصادق المهدي. كان الترابي حينها في الثانية والثلاثين من العمر والصادق المهدي في الثامنة والعشرين أي كان الصادق المهدي (82 عاماً) في نصف عمر المحجوب (65 عاماً). لم يذكر المحجوب شعوره بالضيق من الدكتور الترابي والسيد/ الصادق المهدي في سجال سياسي، إنما ضمَّن ذلك مذكراته التي كتبها شهادة على عصره. كتب المحجوب مذكراته بالإنجليزية ثم تمت ترجمتها وكتب مقدمتها اللورد (كارادون). السيد مأمون بحيري كذلك كتب مذكراته بالإنجليزية. أيضاً حينها في فترة أكتوبر 4691م كان المحجوب في كمال نضجه السياسي والقانوني والأدبي. فقد كان المحجوب زعيم المعارضة في الخمسينات ووزير الخارجية وشارك في رفع علم الإستقلال على سارية القصر الجمهوري، إلى جانب الرئيس اسماعيل الأزهري، فقد كان المحجوب أحد قادة الحركة الوطنيَّة وأحد القادة الوطنيين الذين تمّ على يدهم استقلال السودان.المحجوب الذي يُعتبر أحد روَّاد النهضة السودانية، كان كاتباً بارزاً في صحيفة (الفجر) التي رأس تحريرها عرفات محمد عبد الله. كما شارك المحجوب قريبه وصديقه الدكتور عبد الحليم محمَّد في تأليف كتاب (موت دنيا). أيضاً كان المحجوب شاعراً كبيراً مشهوراً. ومن دواوينه (مسبحتي ودنِّي). ومن أشهر أشعاره (الفردوس المفقود)، التي كتبها في طريق عودته من رحلة خارجية إلى السودان عقب نكسة يونيو 7691م واحتلال الصهاينة للقدس الشريف. كانت عودته إلى السودان عن طريق اسبانيا. كتب المحجوب الفردوس المفقود عن ضياع مجد الإسلام في الأندلس. يقول المحجوب في الفردوس المفقود: (لقيت شطَّكِ بعد البينِ ولهانا... وذُقتُ فيكِ من التبريحِ ألوانا... وسرتُ فيك غريباً ضلَّ سامِرُهُ... داراً وأهلاً وأحباباً وجيرانا... لهفي على القدسِ في البأساءِ داميةً ... نفديكِ يا قدسُ أرواحاً وأبدانا). عرِفَ المحجوب بحب القراءة. وقد أخبرني الصديق الدكتور محمد وقيع الله أنه عندما زار المحجوب في بيته في منتصف السبعينات عند الصباح فتح له الباب بنفسه وكان يحمل كتاب (صُبح الأعشى) للقلقشندي. ومن استقامات المحجوب أنه كان لا يشرب الخمر. كما اشتهر المحجوب بثقافته الواسعة وخبرته الدبلوماسية الكبيرة وحنكته السياسية، كذلك اشتهر بخطابته الجذابة الباهرة وقدرته اللغوية العالية وطلاقة لسانه في العربية والإنجليزية. كانت الوفود العربية في الأممالمتحدة تقدّمه لقيادتها، عندما كان وزيراً للخارجية في فترة أكتوبر 4691م، لماذا كان المحجوب (65 عاماً) متضايقاً من الدكتور الترابي (23 عاماً) والسيد الصادق المهدي (82 عاماً)؟. عن موقفه من الترابي، هل كان غِيرة سياسية وقد بزغ نجم الدكتور الترابي السياسي والقانوني في فترة 4691م؟. قال المحجوب في مذكراته: (الدكتور الترابي كنت أحترمه كثيراً كرجل قانون، ولكنني لم أعجب بسياسته أبداً. وقد حاول الدكتور الترابي أن يعمل دائماً على إغاظتي فلم ينجح إلا في إتاحة الفرصة لي للسخرية منه ومن الصادق لكونهما مبتدئين في السياسة. في حين أنني أصبحت جدَّاً سواءً على صعيد العائلة أو الزعامة أو المناورات السياسية). كان المحجوب في منصة البرلمان الديمقراطي يصف الدكتور الترابي ب (الممثل السينمائي) و(فقيه الجمعية) أي فقيه الجمعية التأسيسية (البرلمان). وقد ذكرت وثائق السفارة البريطانية في الخرطوم والتي رفع الحظر عنها أن المحجوب كان متأثراً باليساريين بسبب صداقته مع أحمد سليمان المحامي والوزير وأحد قيادات الحزب الشيوعي في الستينات. يُشار إلى أن أحمد سليمان كان من مؤسسي الحزب الشيوعي السوداني ومسئول العمل العسكري في الحزب وأحد أميز قادة الحزب الشيوعي السياسيين وأحد كبار مثقفيه البارزين، قبل أن يتحوَّل لاحقاً إلى الجبهة الإسلامية القومية. عن الصادق المهدي قال المحجوب في مذكراته: (برزت خلافاتي مع الصادق المهدي في الأشهر الأولى لعام 6691م. فذات مساء جاء بعض أفراد عائلة المهدي إلى منزلي طالبين منِّي الإستقالة من منصب رئيس الوزراء، حتى يصبح الصادق المهدي الذي بلغ ثلاثين عاماً رئيس وزراء. وكان جوابي: (إن هذا طلب غريب. والصادق لا يزال فتيَّاً والمستقبل أمامه وفي وسعه أن ينتظر وليس من مصلحته أو مصلحة البلاد والحزب أن يصبح رئيساً للوزراء الآن). بيد أنهم أصرُّوا فتصلَّبت وساندني الحزب. ثم طلبت مقابلة السيد/ الصادق من أجل إصلاح الضرَّر، واجتمعنا وأبلغته أنني مستعد للإستقالة ومنحه الفرصة ليصبح رئيس للوزارة لو لم يكن السودان في خطر. وذكَّرته بأنه سيتعامل مع الرئيس الأزهري السياسي الحاذق الذي يستطيع أن يلوي ذراع أي شخص. وليت الصادق (03 عاماً) ردّ علىَّ قائلاً إنني مخطئ بل قال: (إنَّني أعرف ذلك. ولكنني اتخذت موقفاً ولن أتزحزح عنه). وكان تعليقي: (إنني مقتنع الآن أكثر من أي وقت مضى، بأنك لا تصلح لرئاسة الوزارة). ولد المحجوب في الدّويم في 71 مايو 8091م، وتوفي عن (86) عاماً في 22 يونيو 6791م. درس المحجوب الهندسة والقانون وعمل مهندساً مدنياً ثمَّ محامياً. شغل منصب وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء. أطاح بحكومته الديمقراطية المنتخبة انقلاب الشيوعيين في مايو 9691م. جدّ المحجوب لأمِّه هو (عبد الحليم ود مساعد) أحد قادة الثورة المهدية البارزين، وأحد قادة معركة شيكان. عبد الحليم ود مساعد هو جدّ الدكتور عبد الحليم محمد عبد الحليم محافظ الخرطوم ورئيس إتحاد الكرة. الدكتور عبد الحليم محمد إبن خال محمد أحمد محجوب. في حوش (عبد الحليم ود مساعد) نشأ الصحفي محمد خير البدوي والد الصحفية زينب البدوي (BBC). بعد صراع مرير بين القطبين العربيين، شهدت دار محمد أحمد محجوب في الخرطوم (2)، الصُّلح التاريخي بين مصر والسعودية، عندما تصافح في دار المحجوب الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز.