في خطوة مفاجئة وقّع طرفا التفاوض بين دولتي السودان والجنوب اتفاقاً وصف بأنه «اتفاق بالأحرف الأولى» على عدة اتفاقيات إطارية بأديس أبابا بشأن حل القضايا العالقة التي طالما فشلت جولات التفاوض السابقة حولها منذ يوليو المنصرم، ونص الاتفاق على تغيير منهج التفاوض وإعلاء روح الشراكة بعيدًا عن الروح الخلافية، وتناول الاتفاق وثيقتي المواطنة والحدود وكفل اتفاق الحريات الأربع حرية التنقل وحماية المواطنين والإقامة ولكنه لم يتطرّق لقضية تمديد فترة بقاء المواطنين من البلدين التي سادت خلافات حادة حولها مسبقاً وتبادل الطرفان فيها اتهامات وصلت مرحلة التهديد باللجوء للأمم المتحدة لتطبيق القوانين الدولية المتعلقة بإقامة الأجانب بحسب تصريحات نائب رئيس برلمان الجنوب أتيم قرنق واتفق الجانبان على تكوين لجنة مشتركة لتوفيق وترتيب أوضاع مواطني الدولتين، وهو ما اعتبره المراقبون تقدماً غير مسبوق بالرغم من أجواء الإحباط والضبابية التي شابت الجولة التفاوضية في بدايتها، وعلى سياق ذلك تبدو الفرصة سانحة أمام رافضي الوجود الجنوبي لفتح النار على الحكومة فيما يخص فترة بقاء الجنوبيين بعد 9 أبريل الفترة التي وصفها رئيس وفد الخرطوم المفاوض إدريس عبدالقادر في تصريحات صحفية بمطار الخرطوم فجر أمس بغير الصحيحة حسبما ما يثار بأجهزة الإعلام، ويوضح إدريس في حديث ربما جعل «مرارة» الكثيرين «تنفقع» من خلال تأكيده أن الثامن من أبريل لا يتعلق ببقاء الجنوبيين أو عدمه بالأراضي السودانية وإنما تشمل فترة خاصة بتوفيق أوضاعهم. بالرغم من أن توقيع تلك الاتفاقات يعد اختراقاً إيجابياً في ظل التوترات السابقة ويبشر بنجاح القمة الرئاسية المرتقبة إلا أن التخوُّف من تكرار تجربة اتفاق أديس أبابا الذي أفضى إلى نهاية غير سعيدة، فتجربة الاتفاقات الإطارية بين البلدين لم تكن يوماً مبشرة وغير مدعاة للتفاؤل وسبق وأن وُقّع اتفاق بشأن وقف العدائيات برعاية دولية إلا أنه تبعثر في أقل من أسبوع بعد التوقيع عليه، وكذلك الاتفاق حول أبيي الذي لم يرالنور. ولكن هناك سؤال يلح: هل سيفضي الاتفاق الحالي إلى دعم اتجاه تمديد بقاء المواطنين من الدولتين إلى مابعد أبريل القادم؟ يبدو أن الخرطوم وجارتها جوبا، ليس لديهما خيار أفضل من التوافق في المرحلة المقبلة وذلك لأن تكلفة الحرب أصبحت باهظة الثمن، كما أن أي حرب يمكن أن تقسم الصراع وتمدده، وهو ما سيؤثر على المنطقة بأكملها، ورغم ذلك فإن الخلافات لازالت قائمة بين الطرفين. المحلل السياسي والباحث الأكاديمي د. محمد سعيد يرى في حديثه ل«الإنتباهة» أن الاتفاق مسألة ضئيلة لن تترك أثرًا ملموساً على بقية القضايا العالقة كأبيي التي تعد قضية مصيرية وتتجه صوب نفق مظلم خاصة بعد تناثربعض المعلومات حول حشود عسكرية طفق الجيش الشعبي في تحريكها من الفرقة الرابعة في دوار بولاية الوحدة صوب المنطقة، وقضية ملف النفط الذي يعتبر الثاني من حيث الأهمية وهناك رؤية بأن مسألة حسمه مطروحة على طاولة المقايضة بين الطرفين، أما مسألة ترسيم الحدود فهي قضية أمنية عسكرية ليست بتلك الأهمية ويمكن التوصل لحلول حولها بوساطة دولية ولجان مشتركة، وبشأن الجنسية المزدوجة وهو الخيار الذي تطرحه جوبا ففي الغالب سيواجه برفض قاطع من قبل حكومة السودان لأنها تعتبره أحد أوراقها الرابحة التي تمسك بها للضغط في مناحٍ أخرى. «لن نسرف في التفاؤل» عبارات بدأ بها الأستاذ الصادق الرزيقي كتابة عموده الراتب بصحيفة الإنتباهة الذي رصف به طريقاً للهجوم على ما تم الاتفاق عليه خاصة فيما يلي قضية الجنسية أو الحريات الأربع والتعامل بالمثل في تطبيقها ويقول «هذه القضية مهما كانت مبررات التفاهم حولها.. من هو المستفيد منها ؟» ويرى الرزيقي أن حكومة جوبا تريد لمواطنيها البقاء أطول فترة بالأراضي السودانية دونما تحمل مسؤوليات تجاههم، ويضيف أن خطوة الحكومة غير حكيمة أبداً عبر التنازل في التفاهمات فيما يلي قضية الجنسية أو الحريات الأربع وينبه إلى أن السودان عندما كان بلدًا واحدًا موحدًا لم تسلم القبائل الرعوية خلال الفترة الانتقالية منذ العام 2005 حتى وقوع الانفصال من التضييق والطرد والمنع من مصادر المياه والمرعى.