ورد في الصحف قبل عدة أسابيع خبراً مفاده أن عدداً من أبناء الجزيرة عقدوا اجتماعاً بإحدى قاعات جامعة أفريقيا العالمية برئاسة ابن الجزيرة المحترم المتفق عليه البروفسير علي شمو وكان موضوعهم الرئيس هو مشروع الجزيرة وامتداد المناقل وما وصلت إليه أوضاعه من تردٍ وتدنٍ يوجب الرثاء والبكاء. وفي الأسبوع المنصرم نشرت جل الصحف أن وفداً مكوناً من حوالى عشرين من الذين اشتركوا في ذلك اللقاء سيلتقون السيد رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري، ولا ريب أن هذا الخبر المنشور قد اطّلع عليه الجميع وعم القرى والحضر، وحضر أيضاً من الولاية وفد كان يرأسه والي الولاية وضم نائب الوالي وآخرين وشكلوا مع أولئك وفداً واحداً. وفي الوقت المتفق عليه تم اللقاء وبتفويض من الحاضرين كما علمنا من بعضهم تحدث عددٌ محدود من أعضاء الوفد باختصار لأن قصر الزمن المحدد للقاء لم يُتح الفرص الكافية للتداول المفتوح. واعتذر السيد الرئيس في خطابه الذي وجهه لهم بأنه كان يحسب أن اللقاء سيقتصر عليه هو ووالي ولاية الجزيرة ولذلك فإن الجهة المنظمة للقاء لم تخطر المسؤولين عن الزراعة وبقية المختصين في المالية وغيرها لحضور اللقاء. وذكر سيادته أن مجلس الإدارة السابق قد أدخلهم في مشكلة عويصة بسبب قضية التعويضات الشائكة.. وفي تقديري أن المجلس المشار إليه كان يعتبر «عبد المأمور» وهو ينفذ في قرارات اتُّخذت على عجل بلا رويّة وتمهل قبل تدبير المال اللازم حتى في زمن العز البترولي، أما الآن فإن أي تعهدات غير مكتوبة وموثقة لن تعدو أن تكون وعوداً سرابية في ظل الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد الآن وقد أخذت القضية مساراً قانونياً وهي قضية بين الدولة وبين ملاك الأراضي «أصحاب الكروت» ولا داعي لدفن الرؤوس في الرمال ويجب أن يجلس الطرفان حول مائدة واحدة للوصول لحلول ترضي الطرفين وقد أدخلت الحكومة نفسها بنفسها في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه وهذه القضية قائمة بذاتها ويجب ألا تغرق الجميع في شبر مويه وتصرفهم عن قضايا المشروع الحيوية الأخرى. وجاء في الأنباء أن نائب والي الجزيرة اقترح أسماء ثلاثة من أبناء الجزيرة كمرشحين ليتم اختيار أحدهم لشغل موقع رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة وامتداد المناقل وربما يقدم آخرون أسماء أخرى ولا ندرى هل تقدم نائب الوالي باقتراحه بصفته الشخصية أم أنه قدمه بتكليف من الولاية بأجهزتها المختلفة. والقضية ليست في شغل منصب لأن شاغله ليس ساحراً يحرك الأشياء بعصا. وشغل هذا المنصب في هذه المرحلة يحتاج لمن له صلة متينة وثقة قوية توليها له رئاسة الجمهورية ولا تكون بينها وبينه حواجز ويكون واسع الصدر والأفق وعلى صلة قوية بكافة الأطراف المختصة مثل وزارات الزراعة والري والمالية وبنك السودان والتجارة الخارجية...إلخ. وإذا لم يكن له ظهر سلطوي قوي يستند إليه فإنه يغدو موظف دولة لا حول له ولا قوة وقد «يلطعه» أي مدير تنفيذي أو سكرتير خاص في مكتبه ويحول بينه وبين مقابلة أي دستوري كبير يريد مقابلته. والقضية ليست في الأسماء إذ أن الجزيرة تعج بأصحاب الكفاءات العاليةوالخبرات والمؤهلات الرفيعة وفيها خبراء يبزون الخبراء العالميين في المنظمات الدولية «ولكن الصندل في موطنه نوع من الحطب» وينبغي الاهتمام بالكليات المتعلقة بالمشروع وعدم الانشغال بالجزئيات المتعلقة بالتعيينات. وجاء في الأنباء أن دكتور عبد الحليم المتعافي وزير الزراعة قد رشح نفسه أو رشحته أطراف قيادية بالدولة لشغل منصب رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، ونقول للمتعافي حمداً لله على النجاة بالسلامة أنت والناجين معك من حادث الطائرة المشؤوم أطال الله أعماركم ومتعكم بالصحة والعافية وأمطر شآبيب رحمته على الشهداء وجعل قبر كل منهم روضة من رياض الجنة. وإن التحركات الحقلية الماكوكية للمتعافي أثبتت أنه ميداني وذكر البعض أنهم لا يجدونه بمكتبه لأنه كثير الغياب عنه، وهو ديناميكي وصاحب مبادرات، وقد كان معه من الناجين بالطائرة مواطن إيراني قيل إنه مستثمر صحبهم في رحلتهم تلك وحضر معهم اجتماعاً برئاسة مشروع الرهد الزراعي. ومن حق أي رجل مال وأعمال أن يتعاون مع مستثمرين أجانب في أعماله واستثماراته الخاصة زراعية أو صناعية أو غيرها أما الاستثمار على مستوى المشروعات الحكومية أو القومية فهو ينبغي أن يخضع للمؤسسية مهما كانت النوايا والدوافع سليمة مع احترام المبادرين من أصحاب المبادرات والأفكار الخلاقة. وإن بعض المسؤولين التنفيذيين يتّسمون بالحيوية والنشاط الدافق ولكن إيقاعهم السريع يجعلهم أحياناً يجنحون للفردانية في اتخاذ القرارات وتنفيذها وبعضهم قد تصل ثقتهم بأنفسهم درجة الاعتداد ولذلك يطرحون رؤاهم على غيرهم وكأنها مسلمات لا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها، وإن رئيس مجلس الإدارة معه أعضاء آخرون والحديث ينبغي أن يدور حول كيفية تكوين المجلس بكامله من أعضاء على قدر رفيع من القدرات وينبغي ألا يتم التركيز على رئيس المجلس فقط لأن الأعضاء الآخرين ليسوا دمى أو أصفارًا على الشمال أو مجرد بصمجية. والمشروع العملاق الجريح يحتاج في المرحلة الإسعافية القادمة لتمويل مالي ضخم وفي ظل الظروف المالية الراهنة التي يمر بها الوطن فإن الضرورة تقتضي إيجاد تمويل أجنبي ضخم ولذلك فإن وجود مجلس إدارة قوي أمر ضروري يمليه الواقع والحاجة العاجلة الملحة. وإن على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه هذا المشروع العملاق الذي ظل ولسنوات طويلة يحمل العبء الأكبر في تمويل الخزينة العامة بالعملات الحرة وكان هو العمود الفقري لاقتصاد السودان، ونأمل أن يعود سيرته الأولى ويتجاوزها ويقفز بعد ذلك للأمام قفزات كبيرة في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم والبعض يرددون ترهات يبررون بها تحطيمهم لمشروع الجزيرة قائلين إنه أضحى عبئًا على الحكومة والصحيح أنه ظل يحمل العبء عنها لعقود طويلة من الزمان وإن كل مقومات إعادة التعمير والنهضة موجودة إذا وُجدت الهمة العالية، وكما ناديت في المقال السابق فإننا نناشد السيد رئيس الجمهورية تخصيص جلسة يفردها مجلس الوزراء لهذا المشروع العملاق الجريح وهو ملك لكل السودانيين ويعتبر من الأصول الاقتصادية القومية الكبرى ونأمل أن تُعقد الجلسة ببركات وتنقلها أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة مباشرة كما فعلت في مرات سابقة وجلسات أخرى عُقدت ببعض ولايات السودان. ونأمل أن تسبق هذه الجلسة التاريخية إذا تمت ورشة عمل تتمخض عنها توصيات تناقَش في مجلس الوزراء وليس هناك اعتراض أن يعين فلانًا أو علانًا أو فلتكانًا شريطة أن يكون للواحد منهم سند سلطوي قوي ولا اعتراض أيضاً أن يعين وزير الزراعة الاتحادي الحالي لحيويته وديناميكيته وقدرته على استقطاب الدعم من الداخل والخارج رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة وامتداد المناقل شريطة أن يستقيل أو يقال من موقعه الوزاري ويفرَّغ تماماً لهذه المهمة وألا ينشغل بغيرها لأن مساك دربين ضهِّيب وركاب سرجين وقِّيع.