أعلن مؤخراً تعيين الدكتور عبد الحليم المتعافي وزير الزراعة رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة، وبهذا أصبح يجمع بين موقعه التنفيذي الوزاري وموقعه الجديد الذي لن يتفرغ له ويقوم بتصريف مهامه فيه ضمن القيام بأعبائه الأخرى المتصلة بالمشاريع المروية الأخرى والقطاع المطري وغيرها من المهام. وفي الماضي تولى عدد من الوزراء رئاسة مجلس إدارة مشروع الجزيرة وامتداد المناقل في ظل ظروف وصلاحيات مختلفة إذ كان على رأس المشروع محافظ معه مدير عام ومدير زراعي وكانت سلطات مجلس الإدارة محددة ومؤطرة ولكن سلطات المجلس تمددت واتسعت بعد العمل بقانون عام 2005م والمفترض أن توضع السياسات العامة وتصدر التوصيات والقرارات عن المجلس ككل وليست عن فرد واحد لا يميزه عن الآخرين إلا أنه يرأس اجتماعاتهم التي تتمخض عنها قراراتهم وينبغي أن يمارس كل أعضاء المجلس سلطاتهم وصلاحياتهم إذ لا يمكن أن يعتبر رئيس المجلس هو المضاف ويكون الآخرون بكاملهم مضاف إليه. وقبل أكثر من شهر صرّح وزير الزراعة لأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بأنه التقى بالسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية وراعي النهضة الزراعية الذي أخطره بأنهم صدقوا مبلغ مائة مليون جنيه «بالجديد» لمقابلة استعدادات واحتياجات الموسم الصيفي القادم ونشرت بعض الفضائيات تصريح الوزير فى شريط مكتوب ومتحرك في أسفل الشاشة وكررته مرات كثيرة وحسب الكثيرون أن التنفيذ سيتم فوراً عملاً بالمثل «من الكاجن للطاجن» و«أمسك لي وأقطع ليك» ولكن تؤكد كل المؤشرات إن ذاك التصريح الشهير لم تنجم عنه نتائج ملموسة في الحقل والميدان إذ أن كل شيء يعتمد على «الكاش الذي يقلل النقاش» ومازال الجميع في انتظار توفير المكون المالي المشار إليه وتنفيذ ما بشّر به المتعافي في ذلك التصريح. وقد درج كثير من المسؤولين أن يصرحوا في بداية كل موسم أنهم استعدوا وجهزوا كل شيء ثم يأخذون في التبشير عبر وسائل الإعلام أن الموسم الزراعي سيكون ناجحاً ويدعون بعض كبار الدستوريين لافتتاح موسم الحصاد باختيار «حواشة» نموذجية متميزة ويصعد الدستوري في حاصدة وسط عدسات التصوير في جو احتفالي ويعلن من حوله أن نسبة الإنتاج عالية وأن الموسم ناجح. ونرجو فتح صفحة جديدة تتحدث فيها الأعمال مع ترك محاولة تجميل الصور إعلامياً وليكن الشعار: «أحكموا علينا بأعمالنا لا بتصريحاتنا وخطبنا المنمقة وظهورنا الإعلامي». وبعد تسلم المتعافي لموقعه الإضافي ناشده البعض بضرورة حسم موضوع تعويضات الأراضي وبكل تأكيد «أن الجمرة بتحرق الواطيها» وهم أصحاب قضية لا مراء في ذلك وقد أدخلت الحكومة نفسها بنفسها في عنق زجاجة صعب عليها الخروج منها وظلت القضية تراوح مكانها. وفي ظل الظروف المالية التي تمر بها البلاد يتوقع ألا تبرح القضية في الوقت الراهن مربع التصريحات والتخدير بالكلمات وعلى كلٍّ فإن القضية بين الملاك «أصحاب الكروت» وبين رئاسة الجمهورية ومجلس الإدارة ووزارة المالية ويجب أن تتفق هذه الأطراف على برمجة زمنية وآلية لهذه القضية في إطار مستقل وألا تصرف الجميع من قضايا المشروع الحيوية الأخرى. وهناك قضايا آنية لا تحتمل التأخير والتسويف وتتمثل في وجوب السعي الجاد لإنجاح الموسم الزراعي الصيفي بتوفير المدخلات الزراعية من بذور ومبيدات وسماد بأسعار معقولة ودون مغالاة وأرباح فلكية تذهب لجيوب قلة مع تضرر الأغلبية الكاسحة من قواعد المزارعين والمنتجين ولابد من إكمال التحضير في الفترة الباقية التي تسبق بدء الزراعة مع توفير المياه ومعالجة سلبيات الموسم الماضي في بعض المناطق التي أصيبت بالعطش وهذا يقتضي إيجاد معالجات عاجلة واستعدادات كافية وهناك القضايا المحورية التي تحتاج لمعالجات كلية والمعروف أن المشروع في الماضي كان فيه انضباط وعمل دقيق كساعة «بق بن» ولكن وبدون مقدمات حدث زلزال بدعوى السعي إحداث تغيير في إطار التغيير الذي طال كثيراً من المجالات وأحدث في بعضها دماراً وكانت محاولة التغيير في المشروع أشبه بالقفز في الظلام وتعلم الزيانة في رؤوس اليتامى ومثل هيجان الثور الهائج في مستودع الخزف، فحطموا بدلاً من أن يصلحوا وعهدوا الأمر لغير أهله وانطلقت من صوالين التنظير البارد القرارات العشوائية المدمرة ودعك من الخوض في التفاصيل لأن ضيق المجال لا يسمح بالخوض فيها ومع ذلك فإن المشروع العملاق الجريح ما يزال يمتلك كل مقومات النجاح والنهوض من وهدته التي فرضت عليه وأراضيه الصالحة للزراعة شاسعة واسعة مع سهولة الري الانسيابي ومن سخرية القدر أن الشركة الزراعية في عهدها الأول في زمن الاستعمار أقامت كنارات كبيرة مع التدرُّج بصورة انسيابية والفشل الآن في نظافة بعض الترع والقنوات الصغيرة وكما يقولون «إذا كان العود موجود فإن اللحم يجود» وإذا وجدت الجدية والهمة العالية والاهتمام الرسمي الكافي فإن المشروع سيعود سيرته الأولى كأحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني وسيصبح كما كان في الماضي القريب من أهم مصادر العملة الحرة للخزينة العامة. والقضية في المقام الأول هي قضية زراعة ومزارعين وإنتاج ومنتجين وكل شيء قابل للأخذ والرد والجرح والتعديل مثل قانون 2005 من حق أي فرد أو أي مجموعة أن تبدي وجهة نظرها وتطرح رؤاها في مختلف القضايا ولكنها ليست وصية على الآخرين وليست مفوضة إذ أن التفويض لا يتم إلا عبر صناديق الاقتراع لمعرفة الأحجام الحقيقية والبعض قد لا يجد الواحد منهم التفويض وسط مزارعي قريته دعك من مزارعي المشروع بحاله، ومن جانب آخر فإن دورة اتحاد المزارعين قد انتهت ويمكن سد الفراغ بتعيين لجنة تسيير انتقالية مؤقتة أو بإجراء انتخابات حرة وسط المزارعين تفرز ممثلين حقيقيين لهم، يستندون على شرعية حقيقية، ولابد من إشراك المزارعين في إصلاح المسيرة وتقويم إعوجاجها ووضع الأمور في نصابها وأن المزارعين المنتجين هم العمود الفقري ويجب إشراكهم في وضع السياسات وعدم تغييبهم. ولا للضبابية ولا للفردية ونعم للشفافية والجماعية. وإذا أثبت رئيس مجلس الإدارة الجديد أنه يسير في الطريق الصحيح المرتبط بالزراعة والمزارعين والتقنت وأب ستة وأب عشرين فإنه سيجد الدعم والمساندة.