حسب ما هو مقرر يصل الخرطوم اليوم، وفد من حكومة دولة جنوب السودان، لتقديم دعوة رسمية للسيد رئيس الجمهورية لزيارة دولة الجنوب حيث يعقد هناك لقاءً بينه وبين رئيسها سلفا كير ميارديت، كما جاء في ثنايا جولة أديس أبابا الأخيرة بين وفدي البلدين، التي تمخضت عن توقيع اتفاقات شملت الحدود وحالة مواطني البلدين، واقترح وفد حكومة الجنوب على لسان باقان أموم عقد لقاء قمة بين الرئيسين لحسم القضايا المختلف عليها والمصادقة على الاتفاقيات الإطارية التي وقعت... مهما كانت المبررات، فإن هذه الدعوة للزيارة، تأتي في ظروف معقدة للغاية بين البلدين، ووسط أجواء رفض عارمة لما تم التوقيع عليه في أديس أبابا، ومع حشود عسكرية للجيش الشعبي وعملائه ومرتزقته على حدودنا خاصة في جنوب كردفان لمهاجمة مواقع في الولاية التي أشعلت الحركة الشعبية الحرب فيها، ولا تساعد هذه الظروف على عقد مثل هذا اللقاء الرئاسي إلا في حال توفر أرضية ومقومات نجاح تضمن بالفعل تقدماً في علاقة البلدين مع بعضهما البعض، وتضمن كذلك علاقة جوار آمنة وتعاوناً واستقراراً، وذلك هو المنال الصعب في هذه التوقيتات والظروف وفي ظل الواقع المنحدر نحو هاوية الخلاف كما نراه. ثم إن هذه الزيارة إلى جوبا التي تتم دعوة الرئيس البشير اليوم إليها بواسطة وفد يقوده وزير السلام في حكومة الجنوب باقان أموم، يجب أن تكون هناك مبررات موضوعية حتى تكتمل وتتم وتحقق ما هو مطلوب منها.. أولاً: ليست هناك موضوعات وقضايا ذات قيمة وجدت حلولاً على أرض الواقع تجعل الرئيس البشير يتوجه إلى جوباً لإقرارها والاتفاق النهائي حولها، فقضية الحريات الأربع، قضية لا ترقى وحدها لمستوى ومرتبة لقاء الرئيسين، فهناك قضايا عالقة كبيرة مثل الحدود وترسيمها والنزاعات غير المحسومة، وقضية رسوم عبور النفط الجنوبي عبر السودان، والملف الأمني ودعم دولة الجنوب للجيش الشعبي الموجود في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقوات متمردي دارفور القابعة في المعسكرات التي تقيمها الحركة هناك لتدريبها وتسليحها ودعمها، كل هذه ملفات مفتوحة إذا لم تتوفر إرادة حقيقية للتوصل لحلول حولها فلا معنى للقمة أصلاً ولا جدوى منها.. مثل هذه الزيارات، لن تحقق أي نجاح إلا بالترتيب الجيد لها، والتوفر على أسباب وفرص تحقيق نتائج إيجابية تتمخض عنها، ولا يبدو أن حكومة الجنوب لديها ما تقدمه من مقترحات وأفكار تساعد على تجاوز العقبات ...! لا يمكن أن يتجشَّم الرئيس البشير الصعاب، ويطير إلى اللقاء في جوبا من أجل الحريات الأربع أو بقية القضايا التي تم توقيع اتفاقات إطارية حولها في أديس أبابا نهاية الأسبوع قبل الماضي، فهل لدى وفد حكومة جنوب السودان ما يقدمه من أجل قمة ناجحة بين البلدين سواء كانت في جوبا أو غيرها؟؟ أم أن الوفد سيأتي من أجل تقديم دعوة لزيارة، الله وحده يعلم ما الذي سيتم فيها؟. هناك ملاحظات عديدة حول هذه الزيارة وطبيعة توقيتها والإصرار عليها، وهناك توجُّسات من حماس حكومة الجنوب لها، ففي الوقت الذي يصل فيه وفد جوبا، كان هناك هجوم على منطقة هجليج في جنوب كردفان تدعمه دولة الجنوب تم صدّه بواسطة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وهو حلقة من سلسلة اعتداءات كثيرة تنوي مرتزقة الحركة الشعبية وعملاء دولة الجنوب تنفيذها، وهذه تتناقض تماماً مع دعوة جوبا للرئيس لزيارتها. لكن الأهم من كل ذلك تصريحات سلفا كير نفسه وباقان أموم الذي تطأ أقدامه بلدنا، حول تعاون دولة الجنوب مع المحكمة الجنائية الدولية وقول سلفا كير إن البشير مجرم يجب أن يسلِّم نفسه لهذه المحكمة، وهناك من يرى أن الزيارة ما هي إلا فخ وشراك، يجب ألا نقع فيه ولا نتهاون في ذهاب الرئيس إلى براثن الضباع وجحور الأفاعي السامة!! السيد الرئيس يجب أن لا تذهب.. ما من فائدة من قمة كهذه، ولا جدوى منها ولا خير فيها .!