هل زيارة الرئيس البشير المرتقبة إلى جوبا محفوفة بالمخاطر؟ ما سبق علامة الاستفهام تجيء إجابته من خلال الرجاءات والمطالبات التي انطلقت في الأيام الفائتة تدعو الرئيس البشير بعدم المغادرة إلى جوبا والتي تقرر لها الثالث من الشهر المقبل في قمة ينتظر أن تحل القضايا العالقة بين البلدين.. المخاوف التي انسربت إلى صدور الكثيرين نتاجها لجهة قبول مسؤولين بالدولة الجنوبية مضي جوبا نحو التوافق مع المحكمة الجنائية الدولية وذلك ما دفع القيادي بالوطني قطبي المهدي إلى وضع شروط لزيارة الرئيس إلى جوبا جزم معها بأن البشير لن يسافر إلى جوبا ما لم تتوافر ثقة كافية، وكان أكثر جرأة في تناوله للأمر، ولم يستبعد أن تكون دعوة الرئيس إلى جوبا مؤامرة مع الجنائية، وسبق أن قال وزير رئاسة مجلس الوزراء الأسبق بالحكومة الاتحادية لوكا بيونق أمام حشد في جوبا إنه ينوي بصفة شخصية وبمساندة من شخصيات أخرى تحريك إجراء قانونية بالجنائية ضد البشير وأربعة من قيادات حكومته لم يسمهم لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في حق مواطني أبيي من قبيلة دينكا نقوك الجنوبية حد قوله وإذا كان لوكا وقتذاك لم يتسنّم منصباً ببلاده لجهة أن التصريحات سبقت تأسيس الدولة الجنوبية فإن الرجل يتبوأ الآن منصباً رفيعاً بالقصر الرئاسي الجنوبي، وزير رئاسة الدولة. قبل تأكيد قيام البشير بزيارة جوبا وهي الزيارة الأولى له بعد أن فرغ الجنوب من ترتيب وضعيته كدولة قائمة بذاتها وكان قد زار جوبا وهي طفلة خرجت للتو من رحم الانفصال قبل التأكيد هل الزيارة مهمة؟؟ بالقطع نعم.. بل تعتبر الأهم من نوعها رغم الهجوم الضاري الذي لاقاه الاتفاق الإطاري بين البلدين والموقع مؤخرًا بأديس أبابا كما وأنه على ضوء هذه الزيارة تحدد كثير من التفاصيل العالقة والشائكة بين الخرطوموجوبا فضلاً عن أن علاقات البلدين كما قال رئيس وفد جنوب السودان الزائر للبلاد باقان أموم في الاحتفال الذي أقيم بمنزل أحد رجال الأعمال السودانيين مساء أمس الأول:« وصلنا إلى قاع البئر ولا طريق إلا بالصعود إلى أعلى»، لكن الملاحظ في علاقات الطرفين كحزبين شريكين «الوطني والحركة» منذ مهرا نيفاشا في 2005 ثم كحزبين حاكمين بعد الانفصال أن مسألة حسن النوايا لم تبدر يوماً من جانب الجنوبيين بينما ظلت الخرطوم تركض كثيرًا في ذلك الميدان حتى كادت لياقتها تنفد على سبيل المثال إطلاق سراح بواخر تحمل نفطاً ثم مضيها قُدماً في الطريق المليء بالألغام وليس الأشواك، طريق الحريات الأربع بل حتى عندما صفعت جوباالخرطوم بمشاركتها في الهجوم مع آخرين على منطقة هجليج مسحت الحكومة خدها واستقبلت في الصباح المسؤولين الجنوبيين وسهلت لهم لقاء الرئيس البشير الذي تسلّم دعوة للمشاركة في قمة أبريل ستجمعه مع نظيره سلفا كير ميارديت. الجنوب يملؤه اليقين بإقدام الرئيس البشير على زيارة جوبا غير آبه بأي تهديدات سيما وأن له عدة تجارب سابقة كانت زيارته لبكين هي الأبرز بيد أن اليقين الجنوبي مرده محاولة جوبا تحسين صورتها أمام المواطن الجنوبي بعد إصرارها على حجز تذكرة على قطار التعنُّت بإغلاقها الخط الناقل للبترول رغم حاجتها لأي «جالون» نفط وهي بالزيارة المرتقبة التي ستحاول أن تجد مخرجاً لتعنتها بالاتفاق مع الرئيس البشير لجهة طابع علاقات البلدين القائم على المصالح والعلاقة الإستراتيجية التي ما تزال تمشي حتى الآن على حبل مشدود فوق حقول من الألغام وروائح البارود. «جوبا لا تملك القوة ولا الجرأة في توقيف الرئيس البشير» كانت تلك الكلمات التي بدأ بها المحلل الإستراتيجي والعسكري الفريق د. عبد الباقي محمد كرار واستدل بقناعة كثيرين من الجنوبيين بالبشير وبصدقه تجاه القضية الجنوبية منذ نيفاشا مرورًا بإقامة الاستفتاء والاعتراف بنتيجته ومباركة قيام دولتهم، ونبه كرار إلى أن البشير فيما يبدو يريد من هذه الزيارة أن يضع نهاية لمسألة حسن النوايا مع الدولة الجنوبية من خلال زيارة أبريل والتي أشار كرار إلى أهميتها بينما لم يستبعد في ذات الوقت حال فشلها اقتراب البلدين من الحرب. ومهما يكن من أمر فإن جوبا حتى الآن لم توقع على ميثاق روما ما يجعلها في حل من ارتكاب أي حماقات قد ينظر لها البعض في الجنوب من طرف خفي بينما يغمض آخرون أعينهم أمامها وهم ينظرون لأنابيب النفط المغلقة التي أغلقت معها رئاتهم!!