لقد هرمنا.. هرمنا.. هرمنا.. ونحن نسعى جاهدين لنعلم إخوتنا في الإنقاذ ما هو معنى الشريعة.. وما هو معنى تطبيق الشريعة.. إن أول دلائل فهم الشريعة.. وعلامات تطبيق الشريعة هو غياب هذا الخطاب الاعتذاري التبريري الدفاعي الذي لا تخطئه الأذن ولا تخطئه العين في أقوال وفي كتابات أهل الإنقاذ.. لقد ظل الأخ إدريس طيلة الزمن الذي استغرقه في شرح الاتفاق الإطاري يردد.. وماذا في هذا؟ ما الخطأ في هذا؟ بالله عليكم ما هو الخطأ في هذا؟ إن الخطأ في هذا هو أنه لا يضع الشريعة في صدر الخطط والبرامج.. ولا يضعها في صدر الندوات واللقاءات بل إن الخطأ الأكبر يكمن في أن الشريعة لا توضع في صدر المحافل والمفاوضات والاتفاقيات الإطارية وغيرها.. لأنني حتى هذه اللحظة لا أفهم ما تعني الإنقاذ بالاتفاق الإطاري.. وهو عندي مجرد محاولة للهروب من المصطلح القرآني الذي لا نحسن فهمه ولا استخدامه.. والدليل الدامغ على صدق ما أقول وأرجو أن تقول لي الإنقاذ مرة واحدة صدقت هو أن المعركة محتدمة بين الإنقاذ وبين الذين يتهمونها بعدم تطبيق الشريعة أو مخالفة مقتضيات تطبيق الشريعة.. ولا معركة بينها وبين الذين يتهمونها بتطبيق الشريعة.. لسبب بسيط أنه لا يوجد من يتهمها بتطبيق الشريعة. والعلمانيون والشيوعيون وبقية الحثالة مشغولون هذه الأيام بما وفرته لهم الإنقاذ من مناخ طيب وصحي!! لمهاجمة الدستور الإسلامي والدعوة إلى جندرة الدستور وعقد المؤتمرات والندوات باسم تعديل قانون الأحوال الشخصية وإعلاء الفكر الأممي والفكر الأنثوي الإباحي الذي يدعو إلى إسقاط شرط الولي في النكاح ويبيح للفتاة أن تهب نفسها لمن تشاء بشاهدين غير عدلين وفي ركن مظلم وبعيد عن رقابة الأب والأم والأسرة والحي والقبيلة والدولة والأمة. إن عقد النكاح في شريعة سيداو وفي الفقه الأممي الأنثوي الذي تقوم فيه إنجيلا كنج مقام الإمام مالك يعد شأناً خاصاً لا متعلق للأب ولا للأم ولا لله سبحانه وتعالى به. وأخونا إدريس أنار الله بصيرته بعيد كل البعد عن هذا وهمُّه كله أن يثبت أن الحريات الأربع لا تخالف الشريعة وأن الاتفاق الإطاري يطالب بالحريات الأربع لنا ولهم!! ومن قال لك إننا نحتاج أو نطالب بحريات أربع في جوبا أو ملكال أو المابان؟! وهل نحن على سواء في الحاجة أو المطالبة.. بالأمس وأنا جالس أستمع إلى الأخ إدريس وهو يقدم مرافعته التبريرية ثم وأنا جالس أستمع إلى مقدم الندوة وواحد أو اثنان من الذين نحوا نحو الوفد في تبرير الاتفاق الإطاري.. لم أكن أريد أن أشارك في المداخلات لأن الأئمة والدعاة جزاهم الله خيراً كفوني مؤونة ذلك حتى حُشر أصحاب الندوة في جحر وجعلوا يرددون أنهم لم يأتوا بالعلماء ليفرضوا عليهم موقفاً ولا ليمنعوهم من الحديث كما يشاءون من منابرهم.. إلى آخر هذه العبارات.. ولكنني حاولت المداخلة لما تردد على مسامعي أكثر من مرة نبرة تنم عن غياب الفهم الحقيقي للشريعة وللتطبيق. ثلاث أو أربع مرات سمعت من يتحدى بأنه لو كان هناك نص يمنع أو يحرم هذه الحريات الأربع فليأت به من شاء.. تكررت هذه العبارة ثلاث أو أربع مرات حتى إن الأخ إدريس ذاته وقع في فخها.. ولقد صعقت!! حقاً صعقت؟ هل هذا هو منهج الاستدلال الذي اعتمدته الإنقاذ وزودت به قياداتها ومفاوضيها؟ وهل هذا هو الطريق الوحيد المتاح لاستخلاص الأحكام الشرعية؟ وهل تقوم حياة المسلم كلها على ما هو معلوم من الدين بالضرورة وعلى النصوص المباشرة القطعية الدلالة؟ وهل تُستخلص الأحكام والمواقف بهذه الكيفية؟ ولو أن أهل الإنقاذ فعلاً أخذوا كتاب الشريعة وكتاب التطبيق بقوة لعلموا أن النصوص متوافرة وأن الدلائل على بطلان الحريات الأربع موجودة ومعلومة في الكتاب والسنة وفي عمل السلف الصالح.. إن الذين دافعوا عن الحريات الأربع على قلتهم وضعف حجتهم وركاكة بيانهم لم يعتمدوا إلا على العاطفة وحدها وجعلوا المصالح والأمن والإخوة المسلمين في الجنوب لقوم في مواجهة النص والإجماع وعمل السلف الصالح.. إن الإنقاذيين وا مصيبتاه لا يتعاملون مع المصطلحات القرآنية بما تستحقه ويجعلونها مفردات لغوية عادية وهي ليست كذلك.. إن الحريات الأربع بشكلها هذا الذي نراه تخالف عقيدة الولاء والبراء المبثوثة في مئات الآيات في كتاب الله وفي أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وتخالف فقه الأمة، والأمة مصطلح قرآني منضبط له دلالات حكمية لا يجوز تعديها ولا إهمالها.. والحريات الأربع تخالف فقه الأرض وهو فقه تطبيقي جرى عليه العمل منذ أيام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهو الذي وضع لبناته التطبيقية الأولى في حكمه في أرض السواد.. والحريات الأربع تخالف فقه الدار، دار الإسلام ودار الكفر، وهي تخلط الدارين لأنها تبيح للكافر ما لا يُباح له في دار الإسلام.. والإخوة إدريس وصحبه وقّعوا بالأحرف الأولى على اتفاقية لم يتوصلوا بعد كما يقول إدريس إلى تفاصيلها، ومع ذلك هم يريدوننا أن نؤمن بهذه التفاصيل بالغيب وأنها سوف تأتي وفق الكتاب والسنة!! «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» حسبي الله ونعم الوكيل. ويحتج علينا المفاوضون ومن لف لفهم وهم قليل بقوله تعالى: «إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» ويظنون أن في الآية حجة لهم وهي حجة عليهم!! وهي تقيد الجنوح والميل إلى السلم بميل العدو إليها.. وتقول آية أخرى «وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ». «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» وفي القضية تفصيل والشواهد كلها تقود إلى بطلان الحريات الأربع.. وليس صحيحاً ما ذهب إليه بعض الإخوة من أن الحريات الأربع لا بأس بها ولكنها جاءت في وقت غير مناسب.. بل بها بأس وخطر على الأمة وعلى الشريعة. بقي احتجاج المفاوض بمسلمي الجنوب.. ومرة أخرى يخطئ المفاوض في فهم الحكم الشرعي فيجعل الحكم الشرعي تكليف الآخرين بالدفاع عن المسلم المضطهد دون أن يبين درجات التكليف الشرعي الواجبة عليه هو من الكتمان.. والصبر.. والهجرة.. وأحكام الهجرة وأنها واجبة عليه في الغالب.. وإن عجز عن كل ذلك فإظهار كلمة الكفر تقاة كما جاء في قصة عمار بن ياسر وأنبه الأخ إدريس في الختام إلى قول قاله ولعله لم يشعر به.. قال عن شريعة اتفاقية نيفاشا ما معناه أن لو استمر البلد موحداً بعد الاستفتاء فسيبقى التشريع كما هو.. يعني حريات بلا حدود.. ولا ولاء ولا براء.. ولا فقه دار ولا فقه أرض.. ويستمر قانون المواطنة ويبقى الحق ثابتاً لأي كافر أن يكون أميراً للمؤمنين فإن لم يكن أميراً للمؤمنين فليكن أميراً على المؤمنين وإذا أصبح جون قرنق أو سيلفا كير أو حتى عرمان أو منصور خالد فأي شريعة تبقى لنا يا إدريس ويا سيد الخطيب ويا أمين حسن عمر.. إن فقه الولاية يمنع عرمان ومنصور خالد بحسب شرط العدالة فكيف يبيح لكافر عابد لغير الله.. أما مبرر الدعوة ونشر الإسلام لقبول الحريات الأربع فهو إهانة وعدم احترام لعقول الآخرين.. والعرب يقولون الصيف ضيعت اللبن.