أشجان طفولتي بخلوة«أبي بن كعب» لم أتحسر على فترة ضائعة في طفولتي كتحسري على عدم قراءتي القرآن بالخلوة، فقد كانت الحكايات عنها تعجبني، وأهازيج صوت الحيران وهم يقفون أحياناً بباب منزلنا لطلب هدية الشرافة تجعلني مغمورة في هالة من السعادة «يا ست البيت سلام عليكي الله يديكي بنيه هدية ورضية من فجر لعشية في قعر اللدية آمين يا ربي آمين.. الله يديكي وليد تسميهو ضوء البيت ينور بالقرآن رف البيت آمين يا ربي آمين» هذه الدعوات كانت تجعل ست البيت تعطي مبلغاً من المال للطالب الذي «شرف» والشرافة هي احتفائية له بإكمال جزء من أجزاء القرآن الكريم وإيذاناً بانتقاله من مرحلة حفظ معينة لأخرى الأولى هي «شرافة عم» وتكون عند وصول الطالب الى سورة النبأ، والشرافة الثانية هي «شرافة تبارك» عند الوصول إلى سورة الملك وهكذا الى أن يصل الختمة، وهي سورة البقرة. وعندما «يشرف» أحدهم يقوم بزخرفة لوحه بألوان زاهية ويكتب عليه الآيات الأولى من السورة التي وصلها وكنا نسمي الطالب المشرف ب«مهاجر» لانه كان يأتي من خلاوي قريبة من مدينة الفاشر أجد نفسي مولعة ببرنامج الخلوة الذي يبدأ منذ الثالثة صباحاً «الدغيشة»، وفيها يحفظ الطالب المقرر اليومي الذي يحدده له الشيخ بعد صلاة الفجر يكون «الرَّمية»، وفيها يكون الشيخ جالسًا وسط حلقة دائرية من الطلاب فيلقي نصوص الآيات القرآنية عليهم بعدها «الضَّحَوَية» وهي بعد شروق الشمس حتى العاشرة وتبدأ بعد ذلك فترة قيلولة الطالب من الحادية عشرة حتى الثانية بعد الظهر التي يتناول فيها إفطاره ويأخذ قسطاً من الراحة حتى يحين موعد صلاة الظهر، وتبدأ بعدها فترة «الظهرية»، بعد صلاة العصر تكون فترة «المطالعة» وبعد المغرب «العرضة» في المغربية الاولى وفي الفترة ما بعد العشاء وحتى الساعة العاشرة ليلاً «المغربية الثانية» وتُسمى «السُّبُع» يقرأ الطالب سبعة أجزاء مما حفظه من نصوص وهو يدور حتى ينشط دورته الدموية عندها توقد نار للإضاءة تُسمى «التُّقابة» هذا البرنامج الذي أسمعه كقصص وروايات يستهويني جداً تجددت آلام حرماني عندما ذهبت الى خلوة «أبي بن كعب» لتحفيظ القرآن وعلومه بقرية النية بشرق النيل بإشراف كريم من شيخ ميرغني هو من جاء بالشيخ المرحوم محمد سيد حاج حسب معلوماتي كانت الخلوة يسكنها الهدوء فقد وصلناها في فترة «الظهرية» على ما يبدو فالحيران منشغلون بنظافة ملابسهم وقد انتشروا بفناء الخلوة التي تم تأسيسها قبل عشرات السنوات وتجاوز ارتيادها القرى المجاورة للولايات الاخرى البعيدة مثل دارفور وكردفان الأمر الذي شدني أكثر مدرسة الاساس التي قد بدأت بأطفال لا تتجاوز أعمارهم السادسة يقرأون القرءان بتجويد وتمعن عميق معلوماتهم هائلة في مجال التربية الاسلامية السيرة والعقيدة واللغة العربية التي تشكو وزارة التربية والتعليم من تدنيها هؤلاء الاطفال يقرأون الكلمات الصعبة جدًا والمستعصية بالتشكيل لقد بهروني بعلمهم وذكائهم الخارق حفظهم الله سيكون لهم شأن عند ولوجهم المراحل العليا من التعليم مثل هذا النوع من التعليم يحتاج لوقفة من المسؤولين ومثل هذه الخلاوي تحتاج الى دعم الخيرين حتى تنبثق وتعم كل ارجاء هذا البلد الحبيب ويبقى السؤال قائماً في ذهني منذ طفولتي هل تتعلم البنت بالخلوة بذات الطريقة التي يتعلم بها الحيران.