رمضان شهر الرحمة دائماً ما يصحي في مجتمعنا العادات السمحة التي طالما تختفي شهوراً طويلة بسبب ضغوطات الحياة ومشغولياتها واللهث وراء المعيشة، من هذه العادات تبادل الطعام بين الجيران قبيل موعد الإفطار، وخاصة تبادل المأكولات الشعبية الشهيرة مثل العصيدة، القراصة والكسرة وبعض أطباق الحلويات التي تصنع خصيصاً في رمضان، هذه العادات والتقاليد الجميلة لا تزال تمارسها بعض الأسر في المجتمعات التي تعتبرها عادة تمارسها أيضًا في باقي الأشهر لكنها تنتعش خلال شهر رمضان المبارك، يأتي ذلك من إيمانهم بإشراك بعضهم البعض تذوق ما يعدون من أكلات شهية طيبة لإدامة طقوس سنها الناس منذ القدم وهي تفتح أبواب الود والمحبة وتؤسس لعلاقة وطيدة بين الجيران عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه الذي قال: «قال رسول الله: يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فاكثر ماءها، وتعاهد جيرانك منها» رواه مسلم.. كان ل « البيت الكبير» وقفة لطرق هذا الموضوع: ورثناها من أبوي الشيخ الحاجة أم الزين تحكي عن أنها ورثت هذه العادة من أبوها الشيخ عبد الله بمنطقة القطينة قبل أن تتزوج وتقطن بالخرطوم، حيث كان والدها يأمرهم بأن «يغرفوا من حلتهم» للجيران أكدت أنها لم تتخلَ عن العادة برغم انشغال جيرانها بأمور الحياة ومشاغلها، وتركز دائماً أن تهدي لهم من الأطعمة الشعبية مثل الكسرة والعصيدة. أما الخالة فاطمة مهدي فتقول: إن العادة توارث وتقليد شعبي سنه الأجيال السابقة حرصاً منهم على تمتين علاقات الإخوة مع الجيران، وتحكي عن ذكريات جميلة في طفولتها عندما ترسلها والدتها فتطرق أبواب الجيران حاملة إليهم الأطباق، ويتبادل أطفال الجيران ذات الدور.. إفطار الشارع أجمل تبادل د. وفاق اختصاصي علم النفس والاجتماع نفت اختفاء ظاهرة تبادل الأطعمة بين الشعب السوداني مبينة أن تكوين المجتمع السوداني يجعل أمر اختفاء العادات الحميدة مستحيلاً، إلا أنها استدركت أن تكون المشغوليات وشظف الحياة من الأسباب التي تخلق شحًا في ممارسة العادات الحميدة في المجتمع إلا أنها لا ترتقى لدرجة الاختفاء، وأكدت أن المناسبات الكبيرة دائمًا ما تنعشها وتبرزها بصورة أقوى وأردفت بقولها: «ظاهرة تبادل الأطعمة مثلاً تنتعش جداً في رمضان فهي تقليد شعبي متعارف عليه وتكثر خلال شهر رمضان بصور كبيرة أشهرها ظاهرة الإفطار بالشوارع حيث يخرج الكل بطاولة الإفطار التي تحمل شتى أنواع المأكولات والأطعمة ويتم تبادل تناولها مع أطعمة بيوت الجيران أو كأن يجتمعن النساء كل مرة بمنزل إحداهن لتناول الإفطار».. الإحسان والتبرع من صوره دائماً ما تكثر في شهر رمضان ظاهرة الإحسان والتبرع للمحتاجين، وحتى لا تحس الأسرة الفقيرة بالإحراج يتم تبادل الطعام بينها وبين الذين بسط الله لهم الرزق حيث يقوم الأطفال بنقل أطباق الأطعمة بين المنازل قبيل الإفطار بدقائق قليلة، فمنهم من يقدم بعض أنواع الوجبات الدسمة أو صنفًا من أصناف الحلويات وغيرها أو الذهاب بها للجوامع بمشاركة ربات المنازل أحياناً وهي خطوة إيمانية تدل على صور التراحم بين المسلمين وتبرز عمق التكافل الاجتماعي، باحترام مشاعر البعض هذا الشهر الفضيل الذي يقصد فيه الجميع التقرب إلى الله بأعمال الخير وهي إطعام المحتاجين والمساكين.