بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع شاهد على أحداث الجزيرة أبا وخروج الإمام الهادي
نشر في الانتباهة يوم 27 - 03 - 2012

عندما أبلغني الأخ المجاهد فضل المولى العبادي بأن أحد المجاهدين ممن شهدوا أحداث الجزيرة أبا التي وقعت في 27 مارس 1970 ويصادف ذكراها اليوم ورافق الإمام الهادي حتى لحظات مقتله سيزوره في منزله بأم درمان تركت عملي وسارعت للقاء الشيخ/ عز الدين الشيخ وهو من الإسلاميين القدامى أمضى وقتًا طويلاً من حياته بالعمل في التدريس بالمملكة السعودية، من مواليد أم درمان 1931 شهادة ميلاد بحسب قوله .. إفادات عز الدين توفيق لحدث هام تصادف ذكراه اليوم ورغم مرور عشرات السنين على أحداث الجزيرة أبا ها نحن نحاول فك طلاسمها مع شاهد عيان.
هتف مواطنو بحر أبيض في وجه نميري لا سلام بلا إسلام.. هل كان ذلك حافزًا للشيوعيين لتأليبه على الجزيرة أبا؟
لا أعتقد، كانت رحلات نميري لاستكمال التأييد لنظامه حيث طاف على عدة أقاليم وعندما علم الإمام الهادي بوصوله أرسل وفدًا كي يُفشل زيارته وبالفعل هتف الوفد الذي كان فيه مسلحون ضد نميري.
هل بالفعل حاول الأنصار اغتيال نميري بتقدم أحدهم نحوه حاملاً سكيناً؟
هذا ليس صحيحًا
لكن نميري قطع زيارته وحشد الجيش ضدكم!
ربما لأن الأنصار قابلوه بهتافات معادية
ماهي الخطة التي وضعتموها لمقاومة نظام مايو؟
خططنا كإسلاميين لتدريب الأنصار في معسكر بإثيوبيا تولى الشريف حسين الهندي التنسيق وجلب السلاح من إثيوبيا ودول أخرى والشهيد محمد صالح عمر ومهدي إبراهيم وشخصي للإشراف على المعسكر إذ كنا تلقينا تدريبات عسكرية.
أين تدربتم على السلاح؟
أنا تدربت في السبلوقة مع الجيش الإنجليزي والسوداني وبعد مايو اتفق محمد صالح عمر مع منظمة التحرير الفلسطسنية وقائدها ياسر عرفات على تدريبنا وقد كان حيث تدربنا في الأردن.
من تدرب معك ؟
إخواننا محمد صالح عمر، مهدي بابكر العوض عبد المطلب العوض الوزير الحالي أحمد سعد عمر وعبد الله مكي.
ما هو الدور الذي قام به الوزير أحمد سعد في أحداث الجزيرة؟
أحمد اعتُقل في الكرمك عندما كان يحمل سلاحًا ولذلك لم يشهد أيام الأحداث بالجزيرة.
وكيف انضم للحزب الاتحادي؟
توثقت علاقته بالشريف الذي طلب منه مرافقته و«طلع ونزل معاه» وبعدها انضم للاتحادي.
لماذا نقلتم معسكر التدريب إلى الجزيرة أبا؟
عدم تحمس الإمام الهادي لإرسال الأنصار أجبرنا على ذلك، وأذكر أن الشهيد محمد صالح عمر والراحل عمر نور الدائم وعثمان خالد وافقوا على مضض ثم تشديد الشريف حسين على القضاء على مايو قبل الاحتفال بذكراها الأولى فأدخلنا عددًا من الأسلحة قبالة الكرمك وعدت وإخواني بابكر العوض وعبد المطلب بابكر للسودان وكان ينتظرنا لوري خاص بالإمام يحمل شحنة «قنا» وسائقه يدعى إسحق ورافقنا مرشد طريق يدعى عثمان الشيخ كان طالبًا بجامعة الخرطوم وكان لا بد من التدريب الحي على الأسلحة وحفرنا خندقًا ومع ذلك وصل صوت الذخيرة إلى ربك حيث يوجد الجيش مما جعلهم يجوبون النهر لمعرفة مصدرها وهذا مادفع حكومة مايو لغزو الجزيرة والقضاء على الأنصار
هل أتى موفد نميري الضابط أبو الدهب إلى الجزيرة مفاوضاً أم غازياً؟
قال لنا خالد محمد إبراهيم أمين عام شؤون الأنصار وكان مسؤولاً عن الأمن وسط الأنصار إن قوة من الجيش قادمة من الخرطوم تسلك الجهة الشرقية من النيل الأبيض متجهة نحو الجنوب، وربما تكون قاصدة الجزيرة، فأمر محمد صالح الذين كانوا يحرسون الجاسر «مدخل الجزيرة» بالاستعداد ولم تمر عدة ساعات حت« وصلت القوة فدُق النحاس وتدفق الأنصار بأعداد كبيرة يحملون أسلحة بيضاء وعصي حتى النساء شاركن وتصدوا للقوة التي تقدمت داخل الجزيرة وهددوا الجنود بقول أحدهم «اليوم ناكلكم كما تؤكل الطير» وشعر قائد القوة أبو الدهب بالخطر ورفع راية الاستسلام فأبلغ خالد محمد أنه مفوض من الحكومة لمقابلة الإمام فقاده خالد إلى الإمام الذي طالب بإنزال الراية الشيوعية داخل مايو، وإطلاق سراح المعتقلين أوتقديمهم لمحاكمات، وإطلاق سراح الصادق المهدي وإعلان الدستور الإسلامي، وتم الاتفاق معه على ذلك فتحركنا بعربة لاندروفر للتقصي حول الأمر.
من كان معك؟
مهدي إبراهيم ومحمد صالح وآخرون، وكنا نحمل سلاحًا وذخيرة وقد انقلبت بنا العربة فحدثت حالات إغماء وإصابات ولم أصَب بأذى فقمتُ بفك رؤوس الصواريخ وحملناها في أطراف جلاليبنا متجهين نحو الجيش فالتقانا خالد إبراهيم وأمرنا بعدم مهاجمته بعد أن اتفقوا مع الإمام.
هل صحيح أن محمد صالح حذر الإمام من غدر مايو؟
نعم، وقال له إن النظام مخادع وإن الجيش سيعود لضرب الجزيرة فأمر الإمام بتسليح المدربين من الأنصار فصرفنا لهم السلاح وأرسلناهم إلى «الجاسر» وآخرين لتأمين الإمام وقد شاهد أبو الدهب السلاح.
هل تساهل الإمام مع النظام أم تعرض لخديعة؟
نعم، ولو لا ذلك لأسقطنا مايو، وللأسف خرج الجيش من الجزيرة بحماية من الإمام بل ساعد الأنصار الجيش في رفع بعض عرباتهم التي وحلت في الطين
صف لنا لحظة أول هجوم على الجزيرة؟
في خطبة الجمعة 27 مارس أمر الإمام الناس بالعودة إلى قراهم ومزاولة نشاطهم، وبعد تناول الغداء بدأوا في التوجه نحو الجاسر فعاد الجيش كما توقعنا وقصف الجزيرة ولم يتمكن المسلحون من داخل الخنادق من الرد بسبب وجود حشود الأنصار بينهم وبين الجيش، وقُبيل المغرب هجم أنصار عند الجاسر على الجيش وتبعهم غير مسلحين فهرب الجيش وترك خلفة مدافع هاون وسيارتين كبيرتين بهما أسلحة نحو ربك وتبعه بعض الأنصار في حماس ودون نظام فأطلقت سيارة من الجيش الرصاص عليهم واستشهد عددٌ منهم
يقال إنه مايو عُتِّم إعلاميًا على الأحداث؟
هذا صحيح، فالإذاعة لم تورد الخبر، وبعث الإمام بوفد إلى الخرطوم لإبلاغ الميرغني والأنصار بالحادثة وبدأنا الاستعداد للحرب و للأسف لم نكن نملك مدافع مضادة للطائرات وقد أجَّل الشريف حسين إرسالها بحجة عدم إدخال الأسلحة دفعة واحدة.
كان الهجوم في يومه الأول من محور واحد وعندما انسحب الجيش في اليوم الثاني رمت طائرة بمنشورات طالبت الأنصار بمغادرة الجزيرة وبعدها أصبح الضرب من جهتي الشرق والغرب وعند الظهيرة جاءت الطائرات الميج المصرية واستمر قصفُها عدة أيام وأبادوا المواطنين.
كيف علمت أن الطائرات مصرية؟
جاء ضباط مخابرات للإمام وعاتبوه على تساهله مع أبو الدهب وأبلغوه بوجود أنور السادات وضباط مصريين بالبلاد وشخصيًا أعرف الطائرات جيدًا وكنت مشتركًا في نادٍ للطيران بلندن، وبالنسبة للطائرات فهي ميج «21» تأتي بسرعة فائقة تكسر حاجز الصوت وتُحدث فرقعة كالصواعق وتطلع لأعلى بصوت عالٍ وطريقتها في إلقاء الصواريخ في شكل مثلث وركزت على قصر الإمام ولم يكن السودان يملك مثلها وفي المستقبل تأكد لنا ذلك، وقلت ذات الرأي لمهدي إبراهيم حينها.
رئيس وزراء مايو بابكر عوض الله نفى مشاركة مصر في الهجوم!!
كاذب.. فقد تم عرض عسكري في مصر أعلن فيه مشاركتها في ضرب الجزيرة.
يبدو أنكم لم تتحسبوا للهجوم بعكس ما ذكرت!!
استمر الضغط على الجزيرة فقرر محمد صالح ومهدي إبراهيم الخروج إلى ربك برفقة أنصار لتنفيذ عملية فدائية وإرباك الجيش وحملوا أسلحة وقنابل وقدمناهم حتى الجاسر، وقال لنا محمد أودعكم للأبد وقمت أنا وعبد المطلب بابكر بزرع ألغام عند الجاسر واعتزمنا تفجيرها حال هجم الجيش وكان ذلك الإثنين «30» مارس وكان يومًا داميًا وكثفت الميج الضرب خاصة نحو منطقة قصر الإمام، وأذكر بعد المغرب سقطت ثلاثة صواريخ وقتلت سبعة إخوان رجال أمام والدهم في منزل بجوار المسجد الذي كنت داخله لحظتها وأُصيب عبد المطلب بشظية في صدره وأسعفته إلى المستشفى وكان القصف قد توقف ودخلنا منزلاً دعانا صاحبه لتناول شيء من الطعام «عصيدة».
اتهم الصادق المهدي الإسلاميين بتحريضهم للإمام للخروج مما تسبب في مقتله!
هذا كذب.. الإمام له مجلس خاص يضم أهله وأقرباءه وعُمد بحر أبيض ولا علاقة لنا به، كما أن الرأي الأخير لدى الإمام وهو أحيانًا لا يستمع لأحد ولديه حاجات في رأسه يعرفها وحده.
إذن كيف كان سيناريو خروجه؟
بعد مغرب ذلك اليوم قابلنا الإمام ووجدناه حزم حقائبه ورتب حاله للخروج إلى الكرمك ومنها لإثيوبيا وكانت أمتعته كثيرة جدًا وأقنعته بتخفيضها خاصة وأننا سنسافر عبر البر.. وتقريبًا عند الثانية صباحًا تحركنا على متن لوري.
من خرج معكم؟
بجانب الإمام، الفاضل نجله «طالب بالثانوي»، عمدة الشوال عمر مصطفى، عباس أحمد عمر من قدامى الأنصار وسكرتير السيد عبد الرحمن، محمد علي يونس «ملازم الإمام» سيف الدين الناجي سائق الإمام، محمد صادق الكاروري، عبد المطلب بابكر خوجلي، شخصي وسائق اللوري لا أذكر اسمه وقد ركب معنا عددٌ كبير من الأنصار مدججين بالسلاح ظننا أنهم حُراس الإمام وفي الطريق كلما مررنا بقرية يهبط عددٌ منهم والإمام يوصلهم ويعطيهم بعض المال حتى غادروا جميعًا وكنا مندهشين من الموقف
خرجتم بأي طريق؟ وماهي الهيئة التي كان عليها الإمام؟
ركب الإمام معنا وكان متخفيًا حيث أخرج لباس الأنصار المعروف وجاور سيف الدين السائق وبعد تخطينا للجاسر سار اللوري نحو الشرق بسرعة بطيئة ولنحو ساعة وبدون أنوار لتضليل الجيش الرابض على جهتي الجزيرة وخرجنا في الثغرة بينهما ثم اتجه جنوباً، منطقة ربك ومررنا على الدالي والمزموم وشاهدنا حريقًا هائلاً لمصنع حلج القطن الذي أشعله الأنصار «مرافقو محمد صالح» اليوم السابق.. ووصلنا خور أحمر فاصل بين السودان وإثيوبيا وهناك لاحظت وجود رجال فتوجسنا أن يكونوا رجال أمن فقلت لسيف تقدم حتى نتجاوز قرية تسمى «أونسا» وندخل من خلفها مثلما حضرنا أول مرة أنا وبابكر العوض وعبد المطلب وقد حدث، وعند توقفنا نزل الجميع وظل الإمام فوق اللوري يحرر رسائل للسائق الذي سيرجع باللوري وانتظرت معه كي نُنزل السلاح ورفض الإمام ذلك وتجادلت معه وبرر ذلك بالحاجة له في الجزيرة ودهشت لموقفه خاصة وأننا تركنا وراءنا «20» طن سلاح، وقلت له هي حماية لأنفسنا ولك وقد نواجه قطاع طرق وحيوانات مفترسة فرد من معه بأنهم يجهلون استعمال السلاح وطلبت منهم حمله وسنقوم أنا وعبد المطلب باستخدامه حال اضطررنا لذلك وأصر الإمام علي رأيه، وحتى تلك اللحظة لم نترجل من اللوري وطلبت من شيخ الكاروري إقناعة ولكن دون فائدة.
ألم يكن معكم أي أسلحة خفيفة؟
كان الكاروري يحمل مسدساً صغيراً وكذلك محمد أحمد وبعض الأسلحة الخفيفة بين أمتعة الإمام.
لكن سبق أن ذكر الفاضل الهادي أنك من أمرت بإرجاع السلاح؟
هذا كذب، لا أحد كان يستطيع أن يُملي على الإمام وأنا رجل مُدرب عسكريًا كيف أفرِّط في سلاحي؟ المهم ظهر لوري قديم وكان أصحابه سبباً في مقتل الإمام
ماذا حدث بالضبط؟
استعمل صاحب اللوري «البوري» كعادة السائقين إن كنا ننشد مساعدة وقلت لسيف الدين اطلب منه المرور، وتظاهرت بشرب الماء ولكن توقف ولم ألاحظ الذين كانوا بجانب السائق وكان هناك نساء وأطفال على ظهر اللوري. وعلمنا لاحقًا أن أحدهما أبلغ الشرطة.
هل شعرت بالخطر يقترب إليكم؟
نعم فحملنا أمتعتنا وشخصيًا لم يكن لديّ شيء وكنت في حالة رثة فحملت حقيبة صغيرة للإمام وقلت لهم نسير كلٌّ وراء الآخر وعلى مسافات متباعدة مثل الجيش ولكن صعُب الأمر عليهم ثم أخذوا مني حقيبة الإمام والتي عرفت أنها كانت مليئة بالمال من العملة السودانية والأجنبية.. ونحن نسير بعيدًا من القرية شاهدنا أهلها وربما لفت نظرهم الملابس البيضاء والشنط والله أعلم فلم نشعر إلا وجاءوا يحملون العصي وأحاطوا بنا وقالوا لنا أنتم أحباش كفار قلنا لهم نحن سودانيون ومعنا شيخنا ذاهبون لقرية قريبة فقالوا اذهبوا من طريق الكرمك ودخلوا معنا في جدال وحالوا بيننا وبين التقدم فأشهر محمد أحمد مسدسة وهددهم فتراجعوا.
أين كان الإمام؟
كان صامتًا فطلبت من محمد أحمد أن يصطحبه والآخرين تجاه إثيوبيا على أن أعطل أنا وعبد المطلب أهل القرية إلا أن الكاروري وعباس تأخرا معنا دون أن أعلم بهما وإلا لطلبت منهما مرافقة الإمام الذي ذهب مع وفده حتى غاب وهرول ورآهم بعض أهل القرية وفجأة ظهرت مجموعة من العساكر نحو عشرة ومعهم ضابطان يحملان رشاشات صغيرة وطلبوا منا التوقف.
وكيف علمت بأنهما ضابطان؟
أحدهما اسمه حسن أحمد دفع الله كان معلماً معي وكتبت توصية له لدخول الجيش وقد شهد ضدي لاحقاً وعلمت أنه خارج البلاد الآن والآخر عرفت لاحقًا أنه مختار طلحة واعتقلونا وقيدوا أيدينا إلى الخلف. ثم أوشى بعض أهل القرية بالإمام وصحبه فقام الضابطان وآخرون باللحاق بهم وتركوا البقية في حراستنا ثم عادوا بعد مدة واستقلوا سياراتهم وتركونا.
ألم يذكروا شيئًا عن وفد الإمام؟
انضم إلينا نجل الإمام «الفاضل ومحمد يونس والعمدة عمر وتم تقييدهم بجانبنا وعلمت من الفاضل أن أحد أفراد الشرطة أطلق النار على الإمام وأصابه في فخذه وربط جرحه بعمامة أحد أتباعه
وما هو سبب إطلاق النار؟
قال الفاضل وصلنا الضابطان وكانوا متوقفين كي نلحق بهم وأمروهم بالاستسلام فاستجابوا لهما وسأل مختار طلحة الإمام من أنت؟ فأجابه أنا الهادي عبد الرحمن فأطلق الجندي النار عليه.
عندما أوقفكم أهل القرية حمل مرافقي الإمام أمتعته أليس كذلك ؟
نعم.
أليس وارداً أن الإمام حمل سلاحًا من حقيبته؟
لا أعتقد
لكن مختار طلحة في كتاب له قال إن الإمام أخرج مسدسًا وعمل القيام جالساً «ارتكز» وهدده بمسدس!!
هذه رواية ملفقة وأقرب للخيال، الإمام يجهل استخدام السلاح وثانيًا هل يعقل أن يطلق عسكري النار في حضور ضباط دون أن يأخذ تعليمات؟!
وما مصير الإمام بعدها؟
مرت ساعة أو أكثر ونحن مقيدون. وقرب المغرب جاءت عربة كومر مليئة برجال الشرطة المسلحين يقودهم رجل يرتدي جلبابًا ويحمل مسدسًا وقلت لابن الإمام الذي كان بجانبي أفضل ننطق الشهادة قبل أن يقتلونا.. وسأل صاحب الجلباب عن مكان الإمام فدله الجنود على الاتجاه وذهب وسمعنا بعدها إطلاق نار «صوت مسدس» فتعجبنا إلى أن عاد ذات الرجل حاملاً أمتعة الإمام وعددًا من المسدسات وسأله الفاضل هل قتلتم الإمام؟ فاجاب بالنفي ثم أخذ يفرغ الرصاص من المسدسات وذلك بإطلاقه النار على الأرض وعلمنا لاحقًا أنه قتل سيف الدين وأن الإمام مات متأثرًا بجراحه.
ولماذا لم يفرغ خزن المسدسات بدلاً من إطلاق النار؟
يبدو أنه لم يتدرب على الأسلحة لأنه لم يعرف كيف يفتح المسدس ويفرغ الرصاص وكان قد منعنا من الحديث مهددًا بإطلاق النار علينا ثم أمرنا بركوب الكومر وسط الجنود واتجهنا نحو الكرمك.
وأين ذهب الضابطان مختار وحسن؟
التقيناهما في منتصف الطريق وذهب لهما الرجل المدني وشاهدناه يهمس لهما ثم عاد إلينا وغادرنا إلى الكرمك بينما توجه الضابطان نحو موقع الإمام واعتُقلنا في مركز الشرطة وظللنا مقيدين إلى منتصف الليل فجاءت سيارة حاملة جنودًا مدججين بالسلاح حملتنا إلى مطار الدمازين حيث وجدنا طائرة حربية في انتظارنا أدخلونا فيها مقيدي الأرجل بحبل واحد من التيل الغليظ وظل جنود يُشهرون أسلحتهم في وجهنا حتى حطت الطائرة بمطار الخرطوم وجاءت سيارة حتى باب الطائرة وأخذتنا واعتُقلنا داخل غرف الأمن حتى الفجر وفي المساء حققوا معنا واستمر التحقيق نحو عامين وطلبوا مني كشف مكان مهدي إبراهيم ومحمد صالح.
ما تعليقك على قول الكاتب المصري هيكل إن الإمام مات مسموماً بمانجو في كسلا؟
المخابرات السودانية والمصرية قدرت أن الإمام سيغادر الجزيرة بعد القصف وسيحتمي بأنصاره إما غرب أو شرق السودان طريق الغرب مغلق والجيش موجود حتى الأبيض. وربما سمع هيكل معلومة كسلا ودونها في مذكراته ونسي أن يتحقق منها وأذكر أثناء التحقيق معي قال نقيب يدعى محيي الدين من مكتب المخابرات العسكرية أنهم توقعوا خروج الإمام إما إلى الغرب أو الشرق وربما كان هناك تدبير مصري مايوي لاغتيال الإمام بطريقة المانحو إذا قُبض عليه في كسلا والله أعلم.. أو اختلط على هيكل ما حدث للرئيس الباكستاني ضياء الحق الذي اغتيل بمانجو مسمومة أُدخلت له في طائرته وهو محب لها وذلك لأنه أراد تطبيق الشريعة.
الترابي أيضًا علق على مقتل الإمام!!
الترابي أيضًا كذَب في رده على هيكل وقال إن الإمام خرج ومعه اثنان فقط وإن أحد العساكر ضربه دون أن يعرفه في حين أن مختار طلحة سأل الإمام عن اسمه.
كيف تمت محاكمتك؟
اجتمع مجلس عسكري وجاء مختار الوحيد شاهد اتهام وكان المسؤول عن التحقيق دفعتي في المدرسة الفاتح بشارة وضابطين.. وصدر قرار المحكمة بإعدامنا نحن الخمسة أما الأنصار فأطلقوا سراحهم خلال العامين عدا قليلين. وبعد انقلاب الشيوعيين على النميري عجلوا بمحاكمتنا وخفف نميري الحكم للسجن المؤبد ورحلوني لأم درمان.. ثم رُشح نميري رئيسًا واحتفالاً بذلك أصدر عفوًا عامًا لكن جاء عسكري وقال لنا مبروك بكرة سيطلقون سراح الجميع عدا «الإخوان المسلمين» وحدث موقف لن أنساه طيلة حياتي من أخينا بابكر العوض «أستاذ من أبناء فداسي الحليماب بالجزيرة» إذ أطلقوا سراحه ضمن الآخرين ولكنه رفض الخروج رغم إصرارنا عليه وبقي معنا لمدة ثلاث سنوات إلى أن دافع عنا محامٍ وأطلق سراحنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.