ومضيف طائرة «نوفا» ينبه وفد وزير الطاقة د. عوض الجاز، ووالي جنوب كردفان أحمد هارون بربط الأحزمة استعدادًا للهبوط في مطار هجليج، تتراءى من نافذة الطائرة أجسام متناهية الصغر كالنمل تتحرك على طول الطريق المؤدي إلى عدد من مدن دولة الجنوب، وشيئاً فشيئاً والطائرة تهبط تأكد أن تلك الأجسام هم مجموعات من المسيرية راجلين وركباناً متجهين إلى الخطوط الأمامية، مسلحين بكل أنواع الأسلحة الخفيفة من كلاشات و«فرافير» وسواطير، كل منهم يمني نفسه الظفر والعودة ببندقية، حتى تغني له «البنات» وحينها يطلق عليه الفارس. المشهد في هجليج بعد «72» ساعة من الهجوم الغادر على المنطقة من قبل قوات الحركة الشعبية وحركة العدل والمساواة، هادئ جدًا، وذلك من خلال حركة العاملين في حقل هجليج بمقر شركة النيل الكبرى للبترول والوقوف على عمليات انسياب النفط دون أن تتأثر بالأحداث. هبط عوض الجاز وأحمد هارون وعيسى بشري ومسؤولو وزارة النفط وشركة النيل في مطار هجليج الذي استقبلهم فيه قادة الحقل والمسؤولون العسكريون والأمنيون، على رأسهم قائد المنطقة العسكرية. تحرّك الوفد يشق طريقه نحو معسكر الشهيد الفاضل «14» كيلو جنوب هجليج، وعلى طول الطريق تسير أفواج المسيرية تلوِّح بأيديها للوفد بالنصر وتهلل وتكبِّر، للحاق بما تبقى من فلول العدل والمساواة والجيش الشعبي. سألت ثلاثة منهم على ظهر دراجة بخارية عن وجهتهم فأكدوا بصوت واحد إلى «مكان الدواس» وزاد آخر «دايرين نقطع خيط الحركة الشعبية»، المسيرية قبيلة معروفة بشجاعتها وثباتها وثقافتها القتالية على مر العصور، ومعروف أن حرب الجنوب طيلة فتراتها السابقة لم تستطع النيل من أراضي تلك القبيلة حتى أبيي التي ادعت الحركة الشعبية اليوم أنها تتبع لها. دخل الوفد معسكر الشهيد الفاضل وسط تهليل وتكبير أفراد القوات المسلحة والدفاع الشعبي وعبارات «امسح واكسح وجيبو حي واكلو ني»، وترديد أناشيد «في حماك ربنا.. وغيرها»، حيث أكد قائد المنطقة العسكرية اللواء بشير مكي الماحي أن المعسكر الذي أنتم تقفون عليه ادعت الحركة الشعبية أنها اكتسحته ولن تخرج منه. المعسكر يتكون من عدد من «القطاطي» ولا يبدو عليه آثار أي عدوان، فالمباني كلها تقف شامخة شموخ أهلها، وحولها الخنادق يترصد منها على الأعداء. قائد المنطقة طمأن الوفد بأن هجليج في يد أمينة، وأشار إلى أن متحرك الكرامة هو الذي دحر الأعداء وأعادهم إلى حدودهم في دولة الجنوب. الفريق عبد المنعم سعد إبراهيم، نائب رئيس هيئة العمليات دعا مرابطي معسكر الشهيد الفاضل إلى حسم العدو ودحره إلى الحدود، مؤكدًا جاهزية القوات المسلحة لأي خائن وعميل. والي جنوب كردفان أحمد هارون، هتف له المرابطون بالمعسكر قبل أن يبتدر حديثه بقوله: «جيبو حي وأكلو ني» وأضاف هارون للمرابطين:«نحن عارفين لحمكم مُر وما بتمدق»، وقال إن حكومة الجنوب كذبت عليهم، وتعجب قائلاً: «كيف يقف رئيس دولة ويكضب»!!، وحيا كل أفراد المعسكر. عيسى بشري أحد أبناء المسيرية كان حاضرًا من خلال اللقاءات الجانبية التي كان يجريها مع أعيان القبيلة من بينهم الأمير مختار بابو نمر، بشري قال إن سلفا كير اختار الزمان والمكان الخطأ، لتنفيذ أجندة تملى عليه، مشيرًا إلى استعداد القوات المسلحة والمجاهدين لرد أي عدوان على المنطقة. أطل عوض الجاز أو «ديجانقو» كما سمّاه أحمد هارون وأكد الجاز أن حقل هجليج سيظل يعمل ولن يستطيع أي عميل أو متربص أو صاحب غرض دخوله، وقال وسط تهليل وتكبير القوات: «لقد قدمتم درساً لكل المتربصين»، وأكد أن الإنقاذ «23» سنة متوكلة على الله، وأضاف: «سندافع عن السودان إلى أن نلقى الله». تحركنا من معسكر الشهيد الفاضل إلى عدة كيلو مترات جنوباً، أطلت آثار معركة دارت بين القوات المسلحة والمعتدين، حيث خلف المتمردون وراءهم قتلاهم تشهد عليهم وسياراتهم المدمرة، لتؤكد بجلاء أن دولة الجنوب لم تنفك عن أولئك المتمردين. وصلنا إلى «رق الحمرة» بتخفيف الراء الأولى وهو موقع لاستكشاف النفط يقع على بعد «3» كيلو مترات من حدود دولة الجنوب يتبع لإحدى الشركات الأجنبية التي تنقِّب عن النفط، ولم يدخل دائرة الإنتاج بعد، حيث تم الاعتداء عليه من قبل دولة الجنوب بعد أن تم قصفه من داخل حدودها، ودمر مساكن العمال الذين كانوا خارجه، ولم يصب أحد منهم بأذى، في موقف ينمُّ عن حسد واضح وحقد تجاه دولة السودان، ولسان حالهم يقول «زي ما بترولنا وقف حنوقف بترولكم»!. وأكد نائب رئيس شركة النيل الكبرى للبترول عبد الله حاج سليمان أن الموقع تعرّض لقصف من داخل حدود الجنوب، لافتاً إلى أن القصف وقع أثناء عمل روتيني للعمال وطمأن بأن كل عاملي الشركة بخير. المسيرية «أهل العرس» جاءوا بكل أعيانهم بمختلف «خشوم بيوتهم»، وتحدث عنهم بشتنة محمد سالم، وبدأ مندهشاً حينما سمع سلفا كير يقول إنه بسط سيطرته على هجليج، وقال:«لم نكن ندرك أنه بعد كل الحقد والحسد على السودان أنه كضاب». وقال بشتنة إن المسيرية لم يدخلوا المعركة بعد، مشيرًا إلى أن الجيش هو المسيطر حالياً. وأضاف أن حديث سلفا كير «يموصو ويشرب مويتو»، وزاد: «إن باقان جاء إلى الخرطوم ووزّع الابتسامات وأراد أن يخدع الحكومة باستدراج الرئيس إلى جوبا»، وقال «إن هذه الخدعة لا تنطلي على أحد». وطالب بفتح معسكرات دائمة للدفاع الشعبي، وقال إن أراد سلفا كير زعزعة الجنوبفجوبا ليست بعيدة، وطالب الجاز المسيرية بضرورة حماية عمال النفط من اعتداءات أبناء القبيلة وطلب منهم عهدًا بذلك، فعاهدة الأمير مختار بابو نمر بما أراد. ونحن نهمُّ بصعود الطائرة للعودة إلى الجهاد الأصغر تلقى الوفد عهداً وميثاقاً من العمال بشركة النيل الكبرى بأنهم جاهزون للدفاع عن الأرض والعرض وأكدوا أن السودان لن يؤتى من هجليج.