كدت أفقد صوابي وأنا أغوص بكلتا عيناي في النسخة الورقية لتصريحات السيد وزير الخارجية علي كرتي في ما يتعلق بتطبيع العلاقات السودانية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكيف أن السيد الوزير حمل جملة من «البشريات» لجهود تبذلها وزارته لبناء علاقات إستراتيجية مع أمريكا. ومن ما أدهشني لدرجة بالغة الأثر على توازني الداخلي، أن السيد الوزير ومن خلال حديثه الذي خص به صحيفة «الرأي العام».. كان يستعرض انتصار الدبلوماسية السودانية عبر وزارته وإقناعها للغرب وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية بضرورة تطبيع العلاقات مع السودان لكون ذلك فيه خير لكل الأطراف، حيث أبدى الوزير تفاؤله بقرب التطبيع.. وفي هذه اللحظة عدت بالذاكرة لتاريخ الرجل الناصع إبان توليه قيادة الدفاع الشعبي، وكيف أنه كان يعد الجند ل «عليّ إن لاقيتها ضِرابها» !! ثم قارنت بين الذي مضى وبين ما هو آتٍ .. هكذا كنت أشعر وأنا أطالع نقل الأقلام لعثرات الأعلام. لكن.. هل كان السيد الوزير وهو يخوض في حديث التطبيع، يعبر عن أشواق شخصية؟ أم أن حديثه كان من واقع أنشطة تمارسها وزارته لتحقيق هذا الإنجاز؟! أما إن كان الحديث رأياً شخصياً للسيد الوزير فهذه «حمى خفيفة»، ولعل النظرة لديه صارت أعمق من تلك التي كانت في الماضي من الأيام، على اعتبار أن أسلوب المواجهة المستمرة ربما قد لا يحقق النصر المنتظر، ولا بد من «فسحة» لحوار ينطلق من قوة لا من هوان.. وإن كان الأمر كذلك، فهذه دبلوماسية بالنسبة لنا نحن أصحاب الفهم البسيط «حلق» لا نملك له «أضان» !! وإن كان الحديث عن التطبيع من واقع تقارير ومتابعات للفرع المختص بوزارة الخارجية عن ملف أمريكا، فهذه والله «طامة كبرى» لكون الواقع الماثل يؤكد أن كافة الجهود الأمريكية هي في حقيقة الأمر تنسحب نحو عدم التطبيع، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها اتهامات واشنطون للحكومة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ولاية جنوب كردفان ومحاولات دفع هذه الاتهامات نحو منضدة مجلس الأمن الدولي للبصم على قرار إدانة أو فرض عقوبات على السودان.. ومنها أيضاً جهودها لتحريك مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار رقم «2003» القاضي بتمديد ولاية بعثة اليوناميد لعام آخر تحت البند السابع .. ومنها كذلك محاولات أمريكا لعرقلة جهود تنزيل اتفاق الدوحة على أرض الواقع من خلال طرح مبادرة جديدة بدلاً من دعم الاتفاق الموقع. وغير بعيد كذلك عن عيون وزارة الخارجية تلك التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية في بيانها المؤرخ بتاريخ 5/8 حول مقتل أربعة جنود من قوات حفظ السلام الإثيوبية العاملة في منطقة أبيي إثر انفجار لغم أرضي بسيارتهم، حيث اتهم البيان الحكومة السودانية بتأخير منح التصريحات اللازمة للطيران للسماح بعمل الإجلاء الطبي العاجل للجرحى، وهددت حسب زعم البيان، بإسقاط أية مروحية تحاول الوصول للمنطقة دون موافقة .. مما تسبب في وفاة ثلاثة من الجرحي نتيجة لهذا التأخير. وأخير أقول: لست في حاجة لتذكير السيد وزير الخارجية بالتحالف الذي يضم مجموعة الناشطين المدعومين من بعض القيادات السياسية والدبلوماسية في الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم: «سوزان رايس، دنالد بن، كريس سميث، فرانك وولف» نجوم آخر مسرحيات الكونغرس الأمريكي في آخر جلسة استماع، التي وقفت على إخراجها من خلف الكواليس شخصيات أمثال «روجر ونتر، جون برندرقاست، جورج كلوني» بالإضافة للتحالف العريض الذي يمثل المرجعية التي يستند عليها هذا التحالف المكون من التيار اليهودي مع تيار اليمين المتطرف في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك لتحقيق أهداف رئيسية وإستراتيجية ثلاثة وهي: قطع أي تقدم يحدث في اتجاه تطبيع العلاقات مع السودان، ممارسة مزيد من الضغط على الحكومة من أجل إضعاف موقفها مقابل تقوية موقف حكومة دولة الجنوب في ما يختص بقضايا الحدود وأبيي والنفط، وإيجاد مبررات أدبية لرفع الحرج عن أمريكا وحلفائها بعد ظهور ملامح فشل دولة الجنوب. ثم يأتي قرار تجديد وضع اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ليضع نهاية كلاسيكية لجميع محاولات وزارة الخارجية الداعمة للتطبيع.