لا نفهم لماذا الأصرار على التفاوض مع حكومة دولة الجنوب، بما يشبه التزلُّف، طلباً لسلام لا يأتي واتفاق لا تكتب له الحياة؟ وكيف تفاوض الحكومة وقوات دولة الجنوب تتجمع بالقرب من الحدود في هجليج مرة أخرى، وتستعد الفرقة الرابعة من الجيش الشعبي للهجوم مرة خامسة أو سادسة على مدينة تلودي التي صدّت هذه الهجمات أكثر من مرة؟ !! هذا الذي يحدث لا علاقة له بالسياسة... ولا علاقة له بإدارة دولة تتعرّض لهجوم من عدوها المتربِّص وغريمها المتحفِّز للوصول مع عملائه لمبتغى وحيد... هو إسقاط السلطة القائمة؟ لا علاقة لما يحدث من إصرار على التفاوض والمعارك تدور ودماء الشهداء تنزف، بالسياسة... لأن الذي يعتدى عليه بهذه الضراوة يتم تحشيد القوات المعادية لشن العمليات العسكرية كل يوم، لا يمكن أن يفاوض إلا بعد رد العدوان وقصم ظهر المعتدي ورد الصاع صاعين، وقطع اليد التي تمتد نحوه. والسياسة في أبسط معانيها لا ترى في من يفاوض بهذه الكيفية إلا العاجز وغير القادر والمنهزم، والغريب نحن لسنا كذلك، لقد تصدّت قواتنا المسلحة والقوات النظامية الأخرى وفرسان الدفاع الشعبي لكل محاولات دولة الجنوب وعملائها من غزو أراضينا واحتلالها وتعطيل إنتاج النفط في حقل هجليج وغيرها من الحقول الأخرى، واحتلال مدن في جنوب كردفان، واستطاعت قواتنا أن تكبدهم خسائر كبيرة لكن الاعتداء لم يتوقف... فبمنطق السياسة الصحيحة والسياسة الشرعية، يجب أن لا نجلس إليهم إلا في حالة توقف العدوان ورده وجعل الكيد في نحورهم... فلماذا هذا الخور والضعف واستجداء اتفاقات لا تسمن ولا تغني من جوع؟؟ إذا كان لسان حال الحكومة والقوات المسلحة يقول كل يوم: إن دولة الجنوب معتدية وتتآمر ضدنا وتحشد قواتها لحربنا وتشارك في المعارك التي تجري في جنوب كردفان، ويطوف قيادات الجيش الشعبي بهيئة قيادته كلها على المناطق الحدودية حول هجليج وإلى الطريق نحو أبيي لمهاجمة كل هذه المناطق... فلمَ لا يعود وفد اللجنة الفنية المكون من ممثلين لوزارة الدفاع والداخلية والأمن إلى الخرطوم، وتنتظر الحكومة حتى تنجلي أغبرة المعارك ويقطع دابر المعتدين تماماً، ثم مفاوضتهم بعد أن تكسر شوكتهم ويلقنوا الدرس الذي يعرفونه جيداً ...! على الحكومة أن لا تحاول لعب اللعبة الخطرة... أن تحاول تحسين صورتها للمجتمع الدولي والمحيط الإقليمي بأنها حمامة سلام وترغب في إقامة علاقة جوار حسن مع الجنوب، في نفس الوقت الذي تسعى فيه لتأمين حدود البلاد ومواجهة الهجمات والتحديات التي تعيق تقدمها واستقرارها، لا يمكن الجمع بين هذين المسعيين.. وهناك سبب واحد ووجيه يدعونا لدعوة الحكومة للتشدد وحسم الأمور على الأرض قبل الذهاب إلى أديس أبابا لمواصلة أي مفاوضات... هو أن الطرف الآخر وهو حكومة دولة الجنوب التي نحاول التعامل معها، غير مؤهلة لأي التزامات سياسية واتفاقات في المجالات المختلفة، وغير مؤهلة أخلاقياً للمضي حتى آخر الشوط، ولذلك لا يمكن التعامل مع طرف آخر لا يعرف ولا يريد التقيُّد بقواعد وأحكام العلاقات الدولية وما يسمى بقواعد اللعبة.. فكيف نتفق مع من لا يريد الاتفاق.. ولا يرى فيه إلا التموية والتعمية والخداع. لا تتوفر الآن كما هو بائن أي رغبة فعّالة في طي صفحة الخلافات تمهيداً للتعايش والتعاون، كلما وافقت الحكومة وأذعت لما يسمى لصوت العقل والسلام ردت عليها حكومة دولة الجنوب بالطعن في الظهر ونفث السم الزعاف. علينا التقيُّد بما تمليه المسؤولية الوطنية ولعبة السياسة، إرجاع الوفد الفني فوراً وتعليق المفاوضات، إلى حين حدوث تغيير جوهري في الظروف الراهنة، فهذا الوفد لن يأتي بوقف لإطلاق نار ولا بطرد الحركات المسلحة ولا بسحب الجيش الشعبي الفرق «التاسعة والعاشرة والرابعة» من جنوب كردفان والنيل الأزرق... كفى من إدمان التفريط ..!