هل يمكن محاسبة الدستوريين في الحكومة والسلطة التشريعية؟ وكيف يتم ذلك؟ في ظل وجود علاقة وثيقة بين الغالبية العظمى من الدستوريين والمؤتمر الوطني وهنا أيضًا وحسب رؤية البعض فإن الواقع يدلل على صعوبة محاسبة كبار مسؤولي الحكومة وربما نتاج ذلك هو الخوف من إثارة خلافات غير مرغوب فيها أو صعوبة التمييز في كثير من الأحيان بين المحاسبة ومس هيبة الدولة أو المسؤول وليس أدل على ذلك مما قاله وزير العدل محمد بشارة دوسة في أحد المؤتمرات الصحفية «الحصانة تُمنح لرئيس الجمهورية والدستوريين حتى لا يتعرضوا للمكايدات السياسية». ولكن الحصانة هذه ووفقًا لذات الوزير ممنوحة لربع الشعب السوداني عندما أشار في ذات المنبر إلى أن « 25% من السودانيين لديهم حصانات» وهؤلاء هم نتاج الحكومات العريضة التي يتم تشكيلها كل مرة، وقد بلغت صعوبة محاسبة المسؤولين حدًا جعل وزير العدل يعترف بصعوبة مهمته عندما قال: «كلما أتذكر هذه التكاليف الواسعة يقشعر بدني من حجم المسؤولية» وكان يعني قضايا الفساد. بالأمس القريب ارتفعت الأصوات مرة أخرى مطالبة بمحاسبة والي القضارف كرم عباس بسبب دعوته للتطبيع مع إسرائيل وقوله بأنه من تيار داخل الحزب يؤيد هذا الاتجاه وإخضاعه لتحقيق لمعرفة دواعي طرحه ومناسبة توقيته الذي تزامن مع التعبئة والاستنفار اللذين وجه بهما الرئيس وهل تشكل هذه الحالة فعلاً تيارًا؟ أم هي حالة فردية لتتم مراجعتها ومن ثم محاسبتها.. ولكن هنا جاء الاختلاف حول الجهة المنوط بها محاسبة أمثال كرم الله على تلك التصريحات في ظل وجود كليات تحكم علاقة المركز بالولايات وفقًا للوائح والقوانين المعروفة تتضمن أسس محاسبة تجاوزات الولاة. ولكن أمين الإعلام والتعبئة بالوطني د. بدر الدين أحمد حمَّل مسؤولية حديث كرم الله لتشريعي القضارف باعتباره الجهة التي ترفضه أو توافق عليه داخل الولاية ولكنه رغم ذلك توعد بمحاسبته من قبل الحزب.. وأشارت معلومات إلى شروع الحزب في تلك الخطوة وكوَّن لجنة تم الاتفاق على أسماء أعضائها توطئة لاستدعاء كرم الله للمثول أمامها رغم أن البعض شكك في إمكانية محاسبة الرجل أو غيره من الدستوريين بعد أن مرت دعوة رئيس لجنة برلمانية بمجلس الولايات شريف محمدين المطابقة لدعوة كرم الله مرور الكرام في سبتمبر للعام الماضي، وتساءل ما الذي يمنع إقامة علاقات مع إسرائيل وهم من أهل الكتاب، طالما أن للدولة علاقات مع دول لا علاقة لها بالدين، ومرد ذلك أن الحديث عن المحاسبة زوبعة سياسية هدفها تخدير الناس لتناسي الأمر، واعتبروا دعوات المحاسبة ليست نابعة من إرادة سياسية حقيقية كما شككوا وسخروا من آليات المحاسبة في الحكومة والوطني التي لم تقم بدورها على الوجه الأكمل، واتهمت آلية الرقابة والمحاسبة في الوطني التي يرأسها أحمد إبراهيم الطاهر الذي هو رئيس البرلمان أكبر آليات الرقابة والمحاسبة في الدولة بالعمل بفقه السترة، حيث أشار أمين التعبئة السابق حاج ماجد سوار الى إحالة عدد من أعضاء الوطني للجان المحاسبة عقب ثبوت تجاوزهم في المال العام، وأكد في حوار سابق مع «الأهرام اليوم» العام الماضي أن الحزب عمل بمبدأ فقه السترة ولم يكشفهم لوسائل الإعلام كما شكك في أن تكون آليات المحاسبة في الدولة فاعلة بشكل يؤهلها للقيام بمهامها وكان حديثة قبل إنشاء آلية مكافحة الفساد. بالمقابل سمى البعض نوعًا من أنواع المحاسبة طالت دستوريين بسبب مواقف لهم لا تتسق مع رؤية القيادة مثل رفض عبد الحميد كاشا قبول تكليف ولاية شرق دارفور وبات الآن خارج المسرح السياسي، وكذلك ما لحق بالمستشار الرئاسي صلاح قوش وصدامه مع مساعد الرئيس نافع علي بإبعاده من الحزب والحكومة، وكذلك انتقاد سفير السودان الأسبق بسوريا سليمان محمد سليمان لوزير الخارجية آنذاك د. مصطفى عثمان وكانت النتيجة إقصاء سليمان رغم أن حالات المحاسبة تلك قد تندرج تحت قائمة تصفية الحسابات، وكذا ما صدح به بعض المسؤولين في قضايا خطيرة كالمدينة الرياضية التي يتردد أنها أطاحت سوار من وزارة الرياضة ولا تخرج عن ذلك أيضًا إقالة وزير الأوقاف والإرشاد السابق د. أزهري التجاني بسبب أخطاء في هيئة الحج والعمرة..