لما كانت علاقة العبد بربه متميزة عما عداها من علاقاته بالآخرين وحتى بنفسه التي بين جنبيه فقد حق لها أن تنفرد بالأولوية وأن يكون لها أدبها في الخطاب وفي الدعاء وفي الحوار وأن تكون لها المفردات التي يقتضيها مكان الربوبية من هذه النفس وهذه الذات الفانية لذلك نقول مثلا إننا «نسأل الله من فضله» عوضًا عن قولنا نتسوله ونحن نستخيره عوضًا عن قولنا نستشيره وكذلك نستغفره ونعتذر لبعضنا وإن ورد في بعض الأدبيات غير ذلك فللطيفة لها ظلالها في المعنى كما وصف القرءان الكريم خطاب أبي الأنبياء إبراهيم لربه في قوم لوط بالجدال وفي خطاب الصحابية لرسول الله «صلى الله عليه وسلم» بالمجادلة في زوجها وكذلك لما تفعله كل نفس يوم القيامة. ولكوننا بشرًا فإن بعض المعاني ربما غاب عنا ولكوننا بشرًا كذلك فقد تغشو بصائرنا في ازدحام الأفكار وتوارد الخواطر فينبو القلم دون أن ينبو القلب ونخطئ في التعبير مع براءة القصد وحسن النية ولعله لأجل ذلك كانت نية المرء خيراً من عمله فهي لا يخالطها الرياء ولا يعتريها الخطأ بينما الأعمال كذلك، وقول الأعرابي من الفرحة «اللهم أنت عبدي وأنا ربك» وجه وقول الصحابة في محاكاة اليهود «راعنا» وجه آخر. والأعرابي حين قال مرتجزاً:- رب العباد مالنا ومالكا أنزل علينا الغيث لا أبا لكا وجد من المحسنين من يغسل تلك الجلافة بحس تأول حيث قال: أشهد أن لا أبا له ولا ولد. وفي الحوار الذي أثار تلك الضجة بادر بعض إخوتنا الذين يحسنون بنا الظن إلى تنبيهنا إلى ما غاب عن إدراكنا كما تقدم وهؤلاء أرادوا ألا يكونوا عونًا للشيطان على أخيهم وللحقيقة وأنا إنما أبتغي وجه الله فقد أشكل عليّ الأمر وكنت أعتقد جازمًا بعدم الخطأ في الأسلوب حتى انبرى لي من الإخوة الذين هم أكثر مني علمًا بتبيين وجه الحق حتى انتبهت إليه فكانت معاجلتي بالاستغفار من الزلل بحسن ظن بالله وحسن يقين أنْ رُفِعَ عن أمة محمد الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه. وأما الإخوة الذين أحسنُوا الظن بأخيهم، فكتبوا عن فقهٍ وعِلمٍ يرُدُّون عنهُ سهام المكفِّرين وجهل الجاهلين، أمثال أخينا الشيخ إسحق أحمد فضل الله، وأخينا الشيخ د. محمد وقيع الله، واللذين لم يبرِّئاني من احتمال بعض الوزر عن سوءِ فهم البعض لمرادي، وإن سلكا ذلك مسلكهُ مما يعرِضُ لكل أحدٍ من الناس، إذ الكمال لله تعالى، فإني أسأل الله لهما ولمن شاركهما الهم أن يجزيَ شهادتهما لأخيهما شهادةً في الملأ الأعلى ببراءتهما من النار. وأما الذين راحُوا يُحاكمون سريرتي، يزايدون بذلك على الله تعالى الذي انفرد دون خلقه بالاطلاع على السرائر، ومنهم من كتب في هذه الصحيفة، دون حجةٍ من علمٍ ولا ضابطٍ من فقه، إلا شتائم مُرسلاتٍ وإسفافاً لا يصدرُ إلا عن نفسٍ خبيثةٍ مأزومة، وقلمٍ مهزوزٍ ضحل، وقلبٍ حقودٍ أسود، وعقلٍ بينهُ وبين العلم ما بين السماء والأرض، أما هؤلاءِ، فلو شئت لجاريتُ إسفافهم وبززتهُم فيه، ولكن قلماً سلهُ اللهُ منافحاً عن الحق وأهله وموجعاً الباطل وأهله، على مدى ربع قرنٍ من الزمان، ما نبا إلا نبوةً، ولقد ينبو الصمصامةُ الذكرُ، لكن قلماً هذا شأنُهُ يعملُ في هؤلاءِ بأمرِ الله تعالى المخلصين من عباده: «وأعرض عن الجاهلين..» أما الإخوة الأحباب من قرائنا الذين خاطبونا والذين لم يفعلوا فلهم العتبى إن كان قد صدمهم الخطأ وأزعجهم. اللهم إنك تعلم ما نسر وما نعلن ولا تخفى عليك خافية نتقرب إليك بالتوبة والإنابة في أيامك المباركات هذه فتقبل ما نوينا وتجاوز عما أخطأنا ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.