لا أرى أي منطق فيما جاء على لسان رئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر من أن الدعم الحكومي للسلع يذهب إلى المهربين والأجانب والأغنياء. ولم يقل ذلك عفو الخاطر وإنما كان ذلك تمهيدًا لما ذكر أن وزير المالية سيقدمه للمجلس حول السياسة التقشفية للدولة وترشيد الإنفاق. وما يجب أن نؤكده أن الدعم مستحق لمعظم فئات المواطنين بسبب ضعف المرتبات والدخول بصورة لا تتناسب مع الغلاء الطاحن والذي لا يقف عند حد، هذا في الوقت الذي نجد فيه المرتبات ثابتة لا تتحرك قيد أنملة. أليس من المفارقات أن يكون الحد الأدنى للأجور «250» جنيهاً في حين أن هناك دستوريين وخلافهم يتقاضون عشرات الآلاف من الجنيهات فضلاً عن الصرف البذخي خاصة فيما يتعلق بشراء أحدث أنواع السيارات للوزراء، وقيل إن عددهم في ولايات السودان يبلغ مئة وستين وزيراً هذا بخلاف أوجه الصرف الأخرى، وما خفي أعظم. أما ما قاله البرلمان حول التهريب فإن هذا يعد من أولى مسؤوليات الدولة، إذ يفترض أن تحارب هذه الفئة التي فقدت ضميرها الوطني والإنساني وأصبح الجشع وجمع المال حتى لو على حساب اقتصاد وطنها ومصلحة مواطنيها لا يهمها في كثير أو قليل. والمؤسف بل والمحزن والمخجل أن هذه الفئة لا ترعوي، تهرِّب المواد الغذائية لدويلة الجنوب في الوقت الذي تشن فيه حرباً لا هوادة فيها على وطننا وتمارس ضده مختلف أنواع المؤامرات. وإن كانت هناك جدية من جانب السلطة فكان ينبغي أن تطبق على هذه الفئة عقوبات رادعة تصبح عظة وعبرة لأشباهها لأن من أمن العقوبة أساء الأدب بل وأكثر من ذلك. وفي أي بلد يعد هذا النوع من التهريب نوعاً من «الخيانة العظمى»، وهناك نوع آخر يدخل في عداد التهريب وهو عدم إدخال مصدري المواشي عائد عملتهم الحرة إلى السودان مما يؤثر على اقتصاد البلاد بصورة واضحة. وإن الغريب في الأمر ألا تكون هناك أسس تضمن إعادة هذه المليارات من الدولارات وهل هناك دولة من الدول حتى من دول العالم الثالث لا تضع من الأسس ما يضمن لها عودة عائد صادراتها. وإن المشكلة الكبرى إذا ما رُفع الدعم حتى لا يستفيد الأغنياء كما ذكر المجلس فهل ستتأثر بذلك هذه الفئة أم الفقراء ومن هم من ذوو الدخل المحدود. أقول لرئيس البرلمان إن الذي سيتأثر بسحب الدعم تدريجياً كما يقول وزير المالية كنوع من التقشف هو المواطن المغلوب على أمره والذي يعاني من التصاعد المستمر للأسعار فبدلاً من معالجة هذا الجنون للأسعار تريدون أن تزيدوا الطين بلة. ويحق لنا أن نسأل ألم يجد وزير المالية أي مصادر دخل أخرى يعوض بها الفجوة في الميزانية التي نجمت عن فقدان دخل النفط نتيجة لانفصال الجنوب وإغلاق الآبار، وأقول إن خطته التي يسعى لتطبيقها جد خطيرة وذلك من واقع المعاناة التي يكتوي المواطنون بنيرانها ونرى أنه من الحكمة التروي فيما تريدون أن تقدموا عليه من سياسة «تقشف» ويحق لنا أن نسألكم ماذا تسمون الواقع الحالي الذي يعيشه المواطنون هل هو عهد رخاء أم عهد معاناة لا حدود لها فإن كانوا صابرين على مضض وينتظرون الفرج فلا تجعلوهم يخرجون مما هم فيه ولات ساعة مندم. هامش: أقول للبرلمان والمالية: مالكم كيف تحكمون؟! هامش ثانٍ: أقول لدويلة الجنوب: إن كانت معكم أمريكا فنحن معنا الله.