شكلت المسألة المستعجلة التي طرحها العضو بالمجلس التشريعي لولاية القضارف أبو بكر دُج طالبًا فيها من المجلس مناقشة سحب الثقة عن والي القضارف كرم الله عباس الشيخ مسببة بأن الأخير أثبت فشله في إدارة الولاية من خلال انتقاده المتكرر للمركز ودخوله في شجار مع أحد الرعاة في حدودها الشرقية الذي كادت تتضرر منه العلاقات بين السودان وإثيوبيا بجانب عدد من سياسات الرجل وتصريحاته الأخيرة على شاكلة التطبيع مع إسرائيل، شكلت خطوة دُج سابقة هي الأولى من نوعها منذ بدء العمل بقانون الانتخابات الجديد للعام «2008م» الذي نص في المادة «28 1» «يجوز للمجلس التشريعي للولاية وفق أحكام دستور الولاية حجب الثقة عن الوالي بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء» وهو ما فشلت فيه محاولة دُج التي وافق عليها اثنان وامتنع ستة واعترض عليها بقية الأعضاء مع ملاحظة غياب نحو «18» عضوًا من الجلسة. محاولة دُج وإن باءت بالفشل إلا أن البعض رأى فيها رسالة تنبيه لكرم الله الذي يصفه البعض بالقول «عيارو فالت» وهي كذلك ربما تكون رسالة لغيره من الولاة وعدها آخرون مثالاً يمكن أن يحتذى بها النواب في بقية الولايات خاصة تلك التي يعتبر ولاتها من الذين فشلوا حتى الآن في إدارتها بالصورة المثلى أو تلك التي تشهد دوائر المؤتمر الوطني ذو الأغلبية في برلماناتها صراعات متعددة. المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا العالمية د. الأمين عبد الرازق استبعد أن تغري حادثة القضارف آخرين في ولايات أخرى.. وقال في حديثه مع «الإنتباهة» «الوطني يعاني من صراعات كثيرة في داخله وكانت هذه الصراعات أكثر وضوحًا في دوائر الحزب في الولايات لذلك يعتمد تكرار المحاولة على مدى صراعات الحزب في الولايات» واتفق مع د. الأمين في عدم إمكانية تكرارها في الولايات الأخرى النائب البرلماني د. أحمد عبد القادر وقال ل «الإنتباهة»: قانونيًا ممكنة ولكن عمليًًا لا وعزاه لصعوبة ذلك عمليًا لأن الهيئات البرلمانية في الولايات تأتمر بأمر الحزب وقرارها هو قرار الحزب. ولكن كثيرون يرون أن خطوة كهذه لإطاحة أي من الولاة لا يمكن أن تتم إلا بموافقة المركز بحيث يدفع فيها المركز النواب دفعًا لحجب الثقة عن والٍ هو غير راضٍ وفي ذلك يقول د. الأمين «قد لا يكون للمركز يد في ذلك ويمكن أن تكون صراعات داخلية بينهم، ولكن كرم الله عباس المركز حتمًا غير راضٍ عنه» بينما يرى د. أحمد عبد القادر إمكانية حجب الثقة عن الوالي بإيعاز من المركز أو من الحزب في الولاية نتيجة لصراعات داخله لا تجد حلاً إلا بحجب الثقة عن الوالي. حجب الثقة عن الولاة من قبل نواب المجلس عملية تنطوي على خطرين يواجههما النواب في حالتي النجاح والفشل حيث ينص قانون الانتخابات في البند الثاني من ذات المادة أنه «فور حجب الثقة عن الوالي بموجب أحكام البند الأول من المادة «28» يدعو رئيس الجمهورية الناخبين في الولاية لانتخابات مبكرة لاختيار الوالي، تجرى خلال ستين يومًا» وينص كذلك في البند الرابع من المادة نفسها «في حال إعادة انتخاب ذات الوالي الذي حُجبت عنه الثقة، يعتبر المجلس التشريعي للولاية المعنية منحلاً، وتجري انتخابات خلال ثلاثة أشهر لانتخاب مجلس تشريعي جديد لتكملة الفترة المتبقية للمجلس المنحل» وهو الأمر الذي يجعل كثيرًا من النواب يخشون المغامرة. وفي حالة عدم تمكن النواب وفشلهم في حجب الثقة فإن الأمر وحسب كثيرين يفتح بابًا واسعًا أمام عملية واسعة لتصفية الحسابات حيث شهد مجلس تشريعي ولاية سنار عملية مماثلة لما حدث في القضارف عندما قرر أعضاء تشريعي الولاية سحب الثقة عن واليها أحمد عباس بسبب خلافات بين النواب وحكومته حول عائدات الاستثمار في مشروع كناف أبو نعامة أواخر العام «2009م» وبدايات «2010م» حيث كانت النتيجة هي أن «90%» من النواب الذين أرادوا طرح الثقة لم يأتوا مرة أخرى على رأسهم رئيس المجلس ونائبه بل وجد كثيرون أنفسهم خارج دائرة الفعل السياسي والإداري في الولاية وجاء للمجلس كل صاحب ولاء مطلق. ويرجع أحمد عبد القادر السبب في كل ذلك لتجربة الانتخاب عبر الكليات الشورية في وجود الولاة كرؤساء للحزب بالولاية.. وقال «تجربة الاختيار من الكليات الشورية في ظل وجود الولاة كرؤساء للأحزاب لا بد من إعادة النظر فيها لأن الناس في الولايات أفرغوها من مضمونها».. ودعا إلى إزاحة الولاة من رئاسة الحزب عند الانتخابات وترك إدارة الكليات الشورية لآخرين بعيدًا عن الولاة وإلا وفي هذه الحالة لن يكون هناك نواب بالصورة المثالية.