ذات الربيع والنصف ذهبت ولن تعود مرة أخرى.. والسبب كما كل مرة هو المتاجرة بصحة المواطن المغلوب على أمره، وعند كل مرة نفقد فلذات أكبادنا بسبب النقص الحاد جداً في المستشفيات من أدوات صحية وأدوية والوزير والمدير العام همهم زيادة العبء على المواطن مزيداً من التجفيف، ومن المستفيد يا وزير الصحة الاتحادي والولائي ومن المستفيد يا مؤتمر وطني ويا مجلس تشريعي و....و.... وقائمة طويلة موجه اليها السؤال من المستفيد من كل هذا؟. والقصة فصولها طويلة ولكن بداياتها كانت حينما اجتاحت الملاريا جسد اليافعة «هند عبدالمنعم علي الطاهر» وبعد أن تمت معالجة هذه الملاريا اللعينة وطردها من دم الطفلة الصغيرة عاودتها الحمى مرة اخرى فحملها والدها وتوجه بها صوب حوادث الأطفال في الثاني من أبريل الجاري، وقال له الأطباء انها تحتاج إلى نقل دم عاجل بسبب النقص الحاد في دمها واشترطت الطبيبة المعالجة عدم نقل الدم إلا بعد التبرع لها، ولم يستطع والدها التبرع لإصابته بمرض اليرقان، فاستغرق زمن وصول أهلها وجيرانها من قرية السليمانية شرق بالقرب من جبل أولياء قرابة الأربع ساعات ومن ثم كانت الإجراءات الروتينية الطويلة ببنك الدم التي استمرت ايضًا قرابة الساعتين وبعد مرور كل هذا الوقت أخيرًا استطاع الدم الوصول إلى جسد الطفلة النحيلة، وقبل اكمال الزجاجة الأولى اتضح انها تحتاج إلى جهاز تنفس صناعي «فانتوليتر» بسبب ضيق التنفس الحاد، وهذا الجهاز غير موجود في جل مستشفيات العاصمة «الحضارية» غير موجود في حوادث الأطفال ولا مستشفي الخرطوم ولا الشعب ولا... ولا والكثير من المستشفيات تبحث عن هذا الجهاز ولا تجده، فبدأت تحركات الأهل إلى المستوصفات الخاصة وكانت البداية بفضيل ومن ثم الفيصل والإجابات الثابتة عند كل هولاء ان الجهاز غير موجود او يوجد واحد ومشغول حالياً، فذهبنا الى مستشفى الأطباء وعندها كانت الصدمة الكبرى بالنسبة لنا حيث طلب منا وضع مبلغ عشرين ألف جنيه «بالعملة الجديدة طبعاً» حتى يتم استقبال الطفلة المريضة، وبدأت مفاوضات طويلة مع المسؤولين في المستشفى فاقت مفاوضات الحريات الأربع وباءت طبعًا بالفشل، فتواصل البحث بمستشفى شرق النيل والزيتونة ثم احمد قاسم والإجابة واحدة «لايوجد جهاز» واخيراً استقر المقام في مستشفى رويال كير ووجدنا الجهاز مشروطًا أيضاً بإيداع مبلغ الف وخمسمائة جنيه عن كل يوم، فشعرنا بالسعادة لإيجاد الكنز الذي طال بحثنا عنه طيلة المساء وقلنا إن الدنيا بخيرها الوفير حتى الآن، ولكن فرحتنا لم تكتمل حينما رنّ جرس الهاتف وكان الطرف الآخر يتحدث من حوادث الأطفال لينقل لنا نبأ رحيل هند عن الدنيا قبل إيداع مبلغ الجهاز، كانت الأقدار أسرع من إحضارنا للجهاز لكي تستنشق هواء صحيًا برئتيها الصغيرتين.. رحلت هند لتترك الحكم لكل ماحدث لمن يملكون ضمائر ومن المسؤول عن كل ما يُدار في مؤسساتنا الصحية؟ كمال علي الطاهر