المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع أحد الناجين من أحداث مجزرة توريت «حسب الرسول عباس»:
نشر في الانتباهة يوم 24 - 08 - 2011

حسب الرسول عباس أحد الناجين من أحداث مجزرة توريت الشهيرة التي سُفكت فيها دماء الشماليين غيلة وغدراً بجنوب السودان في العام 1955م، والآن تمر الذكرى السنوية لتلك الأحداث والحركة الشعبية بالجنوب تزمع إحياءها لتقليب المواجع على الشماليين الذين لا يزالون يذكرون كيف قتل

الجنوبيون آباءهم وأهليهم وكيف تبدل نور دنياهم ظلامًا بفقد الأخ والأب وألام والولد.. عم حسبو لا تكاد تفارق الابتسامة محيّاه ولكن المناسبة والذكرى أبدلاه صمتًا معتمًا وانينًا يكاد يتطور إلى نواح بفعل الذكرى التي أمعن فيها المعتدي قتلاً في النساء والشيوخ والصغار العزل!! لا يكاد يسترجع الماضي من الألم ولكن ما قاله عنها يكفي لإذابة الشموع.. فحدثنا عن كيف قُتل إخوته كلهم وأبناؤهم وزوجاتهم وأعمامه وأقاربه بطريقة فيها من الغرابة مما لا يجعل للتبرير مكانًا، لا أحول بينكم وبين حقائق تُنشر لأول مرة عن المجزرة فإلى مضابط اللقاء:
حاوره: عبدالله عبدالرحيم
تصوير: متوكل البجاوي
النشأة والميلاد؟
اسمي حسب الرسول عباس، من أبناء أم دوم وعشت في توريت 63 سنة.. قرأت الأولية في ملكال والمعهد العلمي في جوبا وكنت أزور أم دوم في فترات الإجازة.. وكان عمري وقتها ست عشرة سنة إبان أحداث توريت وقد فقدنا كل الآباء والأعمام حتى إخواننا الأكبر منا سنًا ولكن الحمد لله أمهاتنا أحسنّ تربيتنا بعد أن تيتّمنا تماماً.
أين كنت إبان أحداث توريت؟ صف لنا ما جرى في تلك الفترة...
قبل أن تقع الأحداث قال لي أخي وهو كان في كبويتا واسمه عبد الله عباس يا حسبو اذهب إلى توريت وامكث في بيت أخينا الأكبر عليش عباس وكان هو الآخر قد قدمت له دعوة من قبل جمال عبد الناصر الرئيس المصري لحضور أعياد التحرير بصفته أحد قادة الوطني الاتحادي وكان ذلك قبل الأحداث بشهر، وصادف هذا فترة إجازتي المدرسية، وكنت زعلان وراغب في العودة إلى أم دوم وشاءت الأقدار أن يتخلف خالنا محمد الفزاري من الحضور إلى أم دوم من توريت لأسباب تتعلق بالتجارة فهو كان ينوي إحضار زوجته إلى الولادة بعد أن بلغت شهورها الأخيرة و لإصراري الكبير على المجيء إلى أم دوم سمح لي أخي محمد الذي كان يرفض حضوري بمرافقة زوجة خالي إلى أم دوم.
وماذا حدث بعد ذلك؟
جئنا إلى أم دوم ولم نمكث شهرًا فإذا بأخينا عليش يرجع عائداً من مصر بعد أن شارك في احتفالاتها بأعياد التحرير ممثلاً للحزب الوطني الاتحادي وقد ألقى خطاباً مؤثراً في ميدان التحرير تحدث فيه عن الأحوال بتوريت وبقية مدن الجنوب التي بها شماليون بعد أن راج حديث بمصر أثناء الاحتفالات عن وجود تخطيط ونية مبيتة من الجنوبيين لتصفية الشماليين، ورأى أنه لابد من عمل شيء للحيلولة دون ذلك، فأخبرنا بأن الجنوبيين يخططون لقتل الشماليين الموجودين في توريت وبقية مناطق الجنوب، وقد راج هذا النبأ في مصر لدى رجال السياسة وجاء مسرعًا لإنقاذ أهله وأقاربه من الشماليين بالجنوب فقد كانت وسيلة الاتصالات غير موجودة في ذلك الوقت بالصورة التي هي عليه اليوم.. فأصررت على الذهاب معه وكانت زوجته وتُدعى حياة أيضًا أكثر إصرارًا على الذهاب معه فقال لها الوضع هناك غير مستقر وربما بدأ الجنوبيون في قتل الشماليين الآن ولم يمكث طويلاً إذ ظهر النبأ في الصحف فأعطاني صحيفة فيها الخبر وفيها شخص قُتل «بنشاب» وقال لي اذهب بها إلى زوجتي وأخبرها بهذا.. فعندما رأتها اقتنعت وفضَّلت عدم الذهاب. ولكنه ذهب وتركنا ووصل إلى توريت يوم 17 أغسطس من العام 1955 أي قبل الأحداث بيوم.
وحدث أنه في نفس الأيام قامت الاحتفالات بالاستقلال وقُدِّمت الدعوة للجيش الجنوبي للمجيء والمشاركة في الاحتفالات ورفضوا، وكانت هذه بداية شعلة التمرد.. وقام الضباط بتهدئة الأحوال وتكلموا مع العساكر بأن الذي يحدث هذا ليس من الصالح لعامة الناس ولابد من العمل يداً واحدة ولكن كان الجنوبيون يحملون الغدر بدواخلهم وكان حقدهم على الشماليين كبيرًا جداً.. وأذكر من الضباط الشماليين صلاح ومزمل سليمان أفندي وبانقا عبد الحفيظ وإسماعيل خير الله ومجموعة كبيرة من الضباط جاءوا وتكلموا مع العساكر الجنوبيين ورغماً عن ذلك رفضوا المجيء إلى الشمال.
اذاً كيف بدأ الجنوبيون هدفهم في تنفيذ تصفية الشماليين؟
شهادة للتاريخ أذكرها ولأول مرة، أنه قد حدثت مشادة كلامية بين الضابط صلاح وأحد العساكر الجنوبيين في الطابور، وحاول العسكري أن يستولي على سلاح الضابط ولكن استطاع الأخير أن يضرب العسكري برصاصة واحدة دفاعًا عن نفسه.. وهذه من الأحداث التي لم تسجل في التاريخ فكان ذلك أول جنوبي يُقتل وبعد ذلك عمَّت الفوضى أرجاء المكان، وقام العساكر بكسر المخزن وحملوا السلاح وقتلوا الضباط وأعلنوها ثورة ضد الشماليين. فذهب صلاح ومزمل إلى السوق ووجدوا التجار الشماليين غافلين تمامًا عن ما يجري هناك وكان مفهوم التجار أن هذه الثورة هي تمرد جيش لا يعنيهم في شيء فكانوا في غاية الاطمئنان بأنه لن يصيبهم شيء ولكن الجنوبيين خرجوا في ذات الوقت وهم يرددون أن الشماليين قتلوا إخوانهم.. فقاموا بالهجوم على السوق مما دفع التجار إلى التجمع والاحتماء في منزل الشيخ الفزاري باعتباره من المنازل المحصنة.
وهل كان لدى التجار سلاح يدافعون به عن أنفسهم؟
كانوا يملكون حوالى خمس الى ست بنادق صيد خرطوش لا أكثر وظلوا في حالة مناوشات استمرت ثلاثة أيام وفي حالة حصار تام من الجنوبيين الذين قاموا بنهب السوق والدكاكين.. وتم حرمانهم من المياه ومعهم أطفال وبرغم المعاملة القاسية التي قابلتهم كان هناك بينهم قوم طيبون أمثال «ايكانقه» شقيقة السلطان بيتور كانت تعمل على إطعام الجميع وسقايتهم في الليل وتعرض نفسها للخطر وهي زوجة شخص يدعى إبراهيم حاج الصافي شمالي وأخيرًا بعد فترة من الحصار جاء إليهم القسيس وأخبرهم بأن يذهبوا معه إلى الكنيسة للاحتماء بها كونها مكانًا مقدسًا لدى الجنوبيين.. إلا أن الشماليين فضلوا الاحتماء برب العالمين على اللجوء إلى الكنيسة فذهب.. وكانت حالتهم قاسية ومريرة فجاء إليهم ضابط من سجون توريت يعرفونه ونصحهم بالذهاب معه إلى السجن لحمايتهم واقتنعوا بذلك فذهبوا بكل رضاء وقام الضباط وهم ما بين ثلاثة إلى أربعة بوضع الرجال في عنبر والنساء كذلك..
كيف بدأ القتل، هل كان نوعيًا أو انتقائيًا وكيف كان حال الصبية؟
حضر المتمردون وطلبوا من الضابط تسليمهم المفتاح ورفض ولكنهم قتلوه ومن معه وأخذوا المفتاح وذهبوا إلى التجار وقالوا لهم جئنا لقتلكم فطلب منهم التجار أن يقتلوا النساء والأطفال أولاً وبالفعل ذهبوا وفي أثناء قتلهم للنساء ووصول صوت صراخهم إليهم كانوا يصلون بكل شجاعة وبعد ذلك جاءوا وقتلوا كل التجار ولم ينجُ منهم سوى نفر او اثنين احتميا بين سقف وتلقيمة السجن.. أما شقيقي عليش فقد وُجد ميتاً في نفس المكان وبعد ذلك قاموا بفتح العنبر ووجدوا طفلة شقيقي عليش وتسمى أم اليمن لا تزال على قيد الحياة بعنبر النساء وجميع أشقائها قُتلوا وهم أطفال صغار فطلب منها أحد الجنوبيين التظاهر بالموت وبعد ذلك آخذها إلى الكنيسة وقام عدد من التجار الشماليين بالتجمع من مختلف الجهات في المناطق القريبة وجاءوا لدفن الجثث التي وصل عددها إلى حوالى خمسة وعشرين شخصًا قرب المطار، وفي أثناء عملية التشييع حاك المتمردون باللهجة المحلية اتفاقاً على قتلهم بعد الانتهاء من الدفن ودفنهم في ذات المقبرة بصورة جماعية ولحسن الحظ كان بينهم محمد عثمان وهو أمه من قبيلة اللاتوكا فعلم بالمؤامرة التي أُحيكت ضدهم فأخبرهم بذلك وطلب منهم العمل ببطء ليحل الظلام ومن ثم يتسني لهم الهروب وتم تنفيذ الاتفاق ولم يصب غير شخص واحد في يده والبقية لم يجدوا غير الكنيسة مأوى لهم، وهناك عثروا على طفلة شقيقي عليش بالمستشفى مع زوجة عمنا إسماعيل جلة بعد أن ربط لهم بعض الطيبين الصليب لكي لا يتعرض لهم شخص.. وبعد دخول الجيش وجدوا المنطقة خالية إلا من طفلة عليش وزوجة إسماعيل والموجودين في الكنيسة و أحضروهم معهم.
وكيف هو حال الشماليين بكبويتا حيال الأحداث التي اندلعت هناك؟
بعد أحداث توريت بثلاثة أيام في 21 أغسطس تم تطبيق ذات السيناريو بالشماليين في كبويتا، فتم إدخالهم سجن كبويتا من قبل الضباط لحمايتهم ولكن الكثرة تغلب الشجاعة.. فجاء عساكر إلى سمساعة شقيق فزاري في السجن وأخرجوه وطلبوا منه أن يفتح لهم الدكان ولكنهم قتلوه بعد أن أعطاهم ما يريدونه من البضاعة غيلة وغدراً طعناً بالسونكي في رأسه.
وأوكد لك أن هذه الحركة لم تكن سياسية والذين قاموا بها لم يكونوا متعلمين وليس لديهم مبادئ وهي ثورة غضب وحقد فقط ولا تحمل في داخلها أي مبدأ سياسي وفي ذلك الوقت لم يكن في الجنوب مبادئ سياسية وهي جاءت مؤخرًا بعد جوزيف لاقو وقرنق فأصبح هناك مخططات سياسية والأحزاب الجنوبية قد تشكلت.. فصار الأمر من بعد أنه لم يكن لأحدنا الذهاب إلى حي الملكية بجلابية وكانت لدينا حدود معينة في السوق.
نعود إلى كبويتا.. ما الذي حدث بالضبط؟
بعد دخولهم السجن قام حسن محمد الفزاري وكان شخصية محبوبة لقبيلة التبوسة وكان يجيد لغتهم فأخرجوه من السجن وطلبوا منه أن يفتح لهم الدكان وبعد ذلك قاموا بطعنه بالسونكي في رأسه وأعادوه إلى السجن في غيبوبة وجاء شخص يسمى «الله جابو» وسألوه عن الضابط إبراهيم إلياس الذي كان محتميًا بمنزله وهو يحمل سلاحه فأخبرهم بان إبراهيم إلياس لن يسلم إلا لمحمد الفزاري فذهب إليه وطلب منه تسليم السلاح ووافق بعد أن أخبره بأنهم أعطوه عهدًا وبمجرد وصوله للباب وهو يحمل السلاح ضربه الجنوبيون وقتلوا بعده إبراهيم إلياس وقتلوا كل من في السجون.
من هم هؤلاء الذين ينفذون عمليات القتل مدنيون أم عسكريون؟؟
هؤلاء نفس العسكريين الذين قتلوا الشماليين في توريت فهم لا عهد لهم ولا وعد والغدر يملأ جوانحهم.. ومن هناك انتقل العسكريون إلى كتري ووجدوا التجار الشماليين يحتمون بالجبال وكانوا قلة فقتلوا منهم ثلاثة علي العبيد ويوسف قسم الله وشخصًا ثالثًا لا أذكره وهناك رابع استطاع أن يقاتلهم وضاربهم وفر إلى يوغندا وكان الأمل يحدونا أن يكون بقية أهلنا في الجنوب بخير وكان كلما يأتينا خبر نقيم العزاء بمنزل الفقيد ولما كثرت الوفيات اتفق الجميع بأم دوم على أن يكون العزاء جماعيًا في المسجد، ووصل إلينا خبر بأن ناس أمادي وهي المنطقة التي بها الشاب الذي ساقه القدر إلى أمادي لزيارة شقيقه «وسيلة الأمين» لم تكن المنطقة تضم عددًا كبيرًا من التجار فتم القبض عليهم وكان كل واحد يقول للآخر اقتل هذا قبلي!! فطلب منهم الوسيلة أن يقتلوه وشقيقه برصاصة واحدة وبالفعل تم قتلهما وتم إلقاؤهما في نهر صغير اسمه تفري وهم شباب.
التصفية بدأت بتوريت ولحقتها كبويتا هل هناك مناطق أخرى لحقت بها؟؟
نعم لحقت بهما منطقة «تالي» والتي أظهر فيها الجنوبيون ما لم يظهروه من حقد للشمال فقد رقص القَتَلَة على جثث الموتى من الشماليين الأطفال منهم والكبار بصورة تُظهر مدى الحقد الذي يضمرونه لنا.. فكان بها أخونا أحمد الطيب الأمين وهو من الشخصيات المحبوبة جدًا من قبيلة المنداري وكان يوصف عندهم بالثور الكبير وكان يلعب معهم النقارة حتى منتصف الليل فأصبح جنوبي الطباع. فقام الضباط بمحاولة حمايتهم أيضًا وذهبوا بهم إلى السجن ومعهم أم الحسن عبد السلام وهي زوجة محمد الأمين عوض الله الذي كان في جوبا في ذلك الوقت بجانب جلال الدين الصديق ومحمد الحسن وزوجته ولكن تغلب العسكر الجنوبي على الوضع، وكانوا يعرفونهم حق المعرفة فجاء أولاً إلى أم الحسن شخص مساعد طبي جنوبي كان يأكل ويشرب معهم فحمل طفلها وهو رضيع ووضعه تحت أقدامه ومشى عليه وقذف به إليهم وتلقوه بسن الحراب وهو طفل صغير فقتل أمام والدته.. وبعد ذلك قتلوا أحمد الأمين الذي ركض إلى الغابة طعنًا بالحراب وأرادوا قتل أم الحسن ولكن شخصًا يدعى حسن كريش طلب منها أن تقول بأن والدها مصري فتم إخلاء سبيلها في سوق أمادي ومعها زوجة محمد الحسن.. وفي تلك الأيام تحرك زوجها مع الجيش من جوبا وعثر عليها في أمادي وهي في حالة انهيار تام وأخبرته بأن كل إخوته ماتوا.. وفي أنزارا توفي خلف الله الحاج محمد علي بذات الكيفية وبرغم مرارات الأحداث في ذلك الوقت، لم يعتدِ أهل أم دوم على أي جنوبي فهم كانوا يعيشون معنا منذ الصغر وتربوا على أيدينا وبعد أكتوبر عندما كان الناس يركضون وراءهم سقط أحدهم في البئر فرقدت عليها حتى لا تدفن عليه ونحن ناس أم دوم تزوجنا من الجنوبيين وعشنا معهم وهناك نسب بيننا.
يقال إن أتباع الحركة الشعبية رقصوا طرباً على مقابر شهداء أحداث توريت وكبويتا فرحاً بالانفصال؟
يمكن أن يحدث هذا نتيجة للغبن السياسي المكتوم بين الجانبين ولكن ما أعلمه هو أن وزيرة التخطيط هناك وبعد أن تحركت شخصيًا في هذا الأمر دعت إلى ضرورة المحافظة على هذه المقابر بعد أن بدأ العمران يزحف إليها وقالت إنها مناطق تراثية يجب المحافظة عليها مثلما الخرطوم تحتفظ اليوم بمقابر الأتراك وبعض الإنجليز الذين استعمروا السودان.
يعني ذلك أنهم لا يزالون ينظرون إلى الشمال بأنه كان مستعمراً لمناطقهم؟؟
لا أجد إجابة لذلك ولكني أؤكد لك أن أحداث توريت الذين تسببوا فيها لا يفقهون شيئاً في السياسة وليسوا بمتعلمين فقد كانوا جهلاء تماماً.
كيف كانت علاقتك بالحركة الشعبية التي كانت قد مجّدت الذين أحدثوا المجازر في توريت واعتبرتهم أبطالاً؟؟
بعد موت قرنق يمكن أن نقول إن قطاع الشمال في الشعبية ما استطاع إدارة الأمر وقام بإصدار بيانات خطيرة للغاية وكلها تنضح بالعنصرية جعلتنا نقف مكتوفي الأيدي تماماً.. وأقول لك بكل صراحة إن الذي يسمى ياسر عرمان هذا هو الكارثة الحقيقية للسودان، والحركة الشعبية ما ضرها هو أنها ذهبت في الاتجاه الذي يقوده ياسر عرمان والشيوعيون.
وهل عدت إلى توريت التي عشقتها وترعرعت فيها بعد الأحداث؟
عدت لتوريت في العام 1958م أي بعد الأحداث بثلاث سنوات وقمت بإدارة أعمال أهلي التي تركوها هناك واستطعت أن أنمّيها بعد أن هدأت الأحوال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.