والآن بعد انجلاء معركة تحرير هجليج... واندحار وانكسار جيش دولة الجنوب وعملائه ومرتزقته، وهبة الشعب السوداني الكبيرة ووقفته الساطعة مع قيادة الدولة والقوات المسلحة والنظامية واحتفاله بالنصر، وتجليات هذا الموقف العظيم على المشهد والمسمع الوطني، يتوجب على الحكومة وحزب المؤتمر الوطني والقوى الوطنية الحيّة في البلاد، العمل على بلورة رؤية شاملة لجمع الصف وتجاوز المرارات وإطلاق مبادرة سياسية جديدة تنتج خطاباً وفاقياً يستوعب كل هذه المشاعر الوطنية الدفاقة التي أظهرها نصر يوم الجمعة الظافر. لقد خرجت جموع الشعب السوداني بلا استثناء، لم يَدعُها حزب ولم تؤثر عليها دِعاية سياسية، ولا حرّكتها لجان التعبئة ولا أي جهة من مرتادي صناعة الحشود الشعبية، تَحرُّك عفوي تلقائي عبّر عن أصالة هذا الشعب وطيب معدنه وسموِّ حسه الوطني، فقد كان غضبه لكبريائه وقد جرح، وكرامته قد أُهينت، فكان تفاعله وانفعاله بالحدث كما كان. ومن واجب الحكومة أن تقابل وقفة هذا الشعب وتأييده لها وتدافعه نحوها ونحو القوات المسلحة بهذه الصورة التي ظهرت، بما يستحق من إكرام وتقدير، ومن النادر في التاريخ وفي مثل هذه اللحظات التاريخية الحاسمة في حياة الشعوب الأمم، أن تفلت هذه اللحظات بسهولة ولا تستثمر في ترسيخ القيم الوطنية وتناسي الخلافات والشقاق... فكل شعوب الدنيا استفادت من الأوقات والأوان الذي تبعث فيه روح التصدي ويشمخ فيه الوطن بكبريائه العنيد، وتتقد جذوة من الاعتزاز مهيبة في قلب كل وطني محبٍّ لبلده تصبح هي المعبَر بين واقع يتحوّل ومستقبل يأتي. الآن تقف الحكومة أمام تحدٍ كبير يتمحور في ضرورة تقديم خطاب سياسي يقوم على مرتكزات وطنية واضحة تجمع ولا تفرِّق، تستشعر حقيقة المسؤولية تجاه هذا الشعب الوفي في أمنه ومعاشه وطمأنينته ونهضته واستقراره. فما الذي يريده هذا الشعب من الحكومة؟ يريدها فقط أن تكون في قامته وشامخة مثله لا تتضعضع ولا تتساهل ولا تنحني وتخنع، ويريدها أن تُقدِّم له القدوة والأنموذج في رشد الحكم وطهارة اليد وقمة المسؤولية، حتى يسترد كل الوطن عافيته ويستجمع كامل قوته ويتجاوز كل العقبات والعقابيل التي تقف في طريقه. ولبلوغ ذلك المرمى والهدف لا بدّ من الآتي: 1 على الحكومة أن تشرع فوراً في إعادة صياغة خطابها السياسي بعد أن اهتدت للشعارات الحقيقية للشعب السوداني، وعرفت مكمن قوته وبؤرة تفاعلاته، وأنه يقدم كرامته فوق كل اعتبار، فما أيّدها إلا لأنه شعر بالتطاول عليه والمهانة التي أريد له أن يعيش تحت سقفها، ومن الضروري أن تخاطب الحكومة شعبها بما يريده منها، وتجمع الوطنيين الغيورين وأن تعلي من قيمة الانتماء للوطن، لا للكيانات الصغيرة الضيِّقة، وعليها أن تعيد النظر في التكوين الحكومي الحالي وتجعل منه مُعبِّراً عن التيار العريض في الشعب لا فسيفساء الشظايا الحزبية التي لا تُرى بعين الشعب المجردة. 2 يجب أن تصوِّب الحكومة اهتمامها لقضايا الناس الحقيقية، في انتهاج سياسات واضحة وأفكار أوضح في التعبير عن مكنونات الشعب السوداني.. واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب لقيادته، وإعطاء أولوية كاملة لقضايا المجتمع وهموم العامة في الخدمات والتنمية وكبح جماح الفقر وإشاعة العدل والإنصاف وسيادة حكم القانون والقضاء على الفساد والمفسدين ومحاسبة المقصرين. من أجل كل هذا علينا جميعاً العمل على جعل كل المشتركات بيننا، نقطة انطلاق جديدة لترسيخ وحدتنا الوطنية وصيانة حدودنا وتماسكنا الداخلي وتوحدها في وجه عدونا، وإشاعة أجواء الحوار وإذابة جليد التشاحن والتغابن والبغضاء وفتح الباب حتى يتجدد هواء الساحة السياسية المليء بالأحقاد والمرارات، ولندعْ مائة زهرة تتفتح كما قال ماو تسي تونغ.