صوت صافرة القطار جعله يفتح عينيه في تثاقل ويراقب مرور القطار من أمامه في روتين صباحي يومي اعتاده بل وجعله يرن في شكل منبه كبير ليعلن نهاية رقدته القلقة وبداية يوم جديد لكن اليوم كان لون الصباح أسود مع كل الوجع الذي يحس به.. تمنى لو انقطعت رجله بدلاً من أن تكسر سحبه رفاقه بالأمس إلى سطح السينما ورحلوا ليظل يعاني من الألم المبرح.. لم يأكل منذ الأمس وثلاثي الألم والجوع والبرد يفري جسده الصغير بلا رحمة .. يومها نفض التراب عن ملابسه المتسخة أصلاً وحاول جاهدًا إبعاد اللون الترابي الذي صبغ شعره قبل أن يمنح نفسه ابتسامة رضا وهو يغادر سطح السينما في خفة ونشاط ليلحق برفاقه في مهنة التسول منطلقًا من حافلة لأخرى في خفة وابتسامة مرحة ميزته عن غيره بل أعطته مساحة خاصة في قلوب الناس فلا أحد يقاوم لهجته الملحاحة مع ابتسامة واسعة قائلاً: «عليك الله يا حاجة أديني حق الفطور.. يديك عريس إنشاء لله.. يعرس ليك القاعدة جنبك» وينفجر ركاب الحافلة بالضحكات وتنهال عليه الفكة من كل اتجاه قبل أن ينزله محصل التذاكر عنوة بعد أن يظل متجولاً داخلها بعد انطلاقها خارجة من الموقف العام.. يومها ظل يتجول ويضحك وذهنه مشغول بالدجاجة التي رأها صباح اليوم تتحرك في استفزاز داخل المطعم المجاور وقرر أن يشتريها اليوم.. وركض إلى آخر الحافلة متجاهلاً نداء محصل التذاكر الذي جاهد لإمساكه بينما انزلق هو منه وركض من جديد مما أثار حفيظة محصل التذاكر الذي ألقى به من الحافلة في عنف متجاهلاً احتجاج ركاب الحافلة.. ظل برهة في مكانه قبل أن يندفع رفاقه لرفعه ووضعه في ركنه الخاص ومن يومها وهو يعاني من هجوم الثلاثي عليه من حين لآخر منفردًا أو مجتمعًا حتى فقد القدرة على البكاء.