نشرت صحيفة (واشنطن بوست) أن انفصال جنوب السودان، جاء نتيجة المساعي الأمريكية الحثيثة. تلك المساعي الحثيثة بالطبع تتضمن التسليح والتمويل والغطاء السياسي والديبلوماسي. حيث يتوفر توثيق ضخم لتلك (المساعي الحثيثة) منذ عام 1983م. بعد الإنفصال كان من البديهي أن تلعب دولة الجنوب دورها، دور (مخلب القط) الأمريكي في المنطقة. حيث رسمت واشنطن لدولة الجنوب الدور العسكري الإقليمي الذي يجب عليها القيام به. فكان أن أعقب الإنفصال تحرُّك (مخلب القط). حيث كانت البداية في أبيي عندما نصبت الحركة الشعبية (كمين) للجيش السوداني، ثم بدأت تنشط عسكرياً في جنوب كردفان، ريثما تشعل جبهة حرب ثالثة ضد السودان في النيل الأزرق ثم جبهة رابعة في دارفور. إدارة حرب شاملة متزامنة منسَّقة في أربع جبهات قتال طولها آلاف الكيلومترات على امتداد حدود السودان، من الكرمك في الجنوب الشرقي على الحدود الأثيوبية، إلي (أم دافوق) في الجنوب الغربي على الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، يعتبر أمراً فوق طاقة عصابة الحركة الشعبية في جوبا. حيث وضح أن الدور العسكري الإقليمي الجديد لحكومة الجنوب، يعني أن تشن الحركة الشعبيَّة الحرب بالوكالة عن واشنطن ضد الجيش السوداني. واشنطن في سياستها العدائية ضد السودان، تعتبر أن الجيش السوداني صورة أخرى من (جيش الرَّب) الأوغندي. تجدر الإشارة إلى أن بداية الدور العسكري الإقليمي لحكومة الجنوب، كان في مشاركتها في الحرب ضد (جيش الرَّب) الأوغندي، بالتحالف مع الجيش الأوغندي والجيش الكنغولي. حيث تمّ برعاية واشنطن قيام حلف عسكري إقليمي ثلاثي الأضلاع، من حكومة الجنوب وأوغندا والكونغو. وقد أعلنت أوغندا خلال معركة استعادة هجليج أنها ستحارب إلى جانب دولة الجنوب. وقد شارك الدعم الأوغندي بالفعل في احتلال هجليج. وقد أطلع السودان الإتحاد الأوربي على ذلك الدعم. ذلك بينما يفتقد السودان الدعم العربي في معركته لحماية أرضه وسيادته. بل سيجتمع وزراء خارجية الإتحاد الأوربي في (لوكسمبورغ) اليوم الثلاثاء 24/أبريل 2012م لمناقشة التطورات بين السودان ودولة الجنوب بعد حادثة احتلال هجليج. ينبثق الدور العسكري الإقليمي الجديد لحكومة الجنوب، ودورها في حروب إقليمية جديدة في السودان وأوغندا، من حقيقة أن الحركة الشعبية من الألف إلى الياء هي استثمار أمريكي. وإلَّا لماذا تحارب الحركة الشعبية السودان بعد أن حصلت على الإنفصال، ولماذا تنغمس في الشأن اليوغندي الداخلي بقتالها (جيش الرَّب)، إن لم يكن ذلك لمصالح خارجية لا علاقة لها بمصالح شعب الجنوب. إذ لم تكن أبداً محاربة (جيش الرَّب) وإغلاق الحدود مع أوغندا في قائمة (الأهداف) التي قاتلت من أجلها الحركة الشعبية عشرين عاماً، في حرب (التحرير) المزيَّفة التي خاضتها ضد السودان. ويلاحظ أن تقارير الدول الغربية عن أداء دولة الجنوب، تتكتَّم على الدور العسكري الإقليمي الجديد للدولة الوليدة. على سبيل المثال تقرير مجلس اللوردات البريطاني أفاد بأن ما تسلّمته حكومة الجنوب من أموال النفط (أكثر من عشرة بليون دولار)، لم ينعكس على التنمية والخدمات في الجنوب، بل تبدَّد في الرشاوى والفساد. ذلك بينما سكت تقرير مجلس اللوردات عن استخدام حكومة الجنوب البلايين النفطية في زيادة التسلّح وسباق التسلح من جانب واحد واستيراد شحنات ضخمة من الأسلحة استعداداً لحروب جديدة في مقدمتها الحرب ضد السودان. حيث أن الإنفاق العسكري الضخم لحكومة الجنوب، لا يخدم شعب الجنوب الذي ينتظر التنمية والخدمات، بل يخدم الدور العسكري الجديد المرتقب لحكومة الجنوب في الحروب التي تشعلها في المنطقة، بالوكالة عن واشنطن. كانت المشاركة العسكرية لحكومة الجنوب ضد (جيش الرَّب) إلى جانب الجيش الأوغندي والجيش الكونغولي بمثابة الفصل الأول في دورها العسكري الإقليمي الجديد. حيث بعد إنجازه انتقلت إلى الفصل الثاني بشنّ الحرب ضد السودان. ذلك الدور العسكري الإقليمي لحكومة الجنوب يأتي في إطار توظيف واشنطن الحركة الشعبية في خدمة استراتيجية أمريكا في المنطقة. قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية (نعم لدينا علاقات عسكرية مباشرة مع أوغندا والكونغو وجنوب السودان). وقد كشفت الأسلحة الأمريكية التي استخدمتها الحركة الشعبية في جنوب كردفان، عن ذلك الدور العسكري الإقليمي الجديد لدولة الجنوب. حيث أصبح شمال السودان ساحة حرب تقاتل فيها عصابة جوبا من أجل المصالح الأمريكية، حتى آخر جندي في الجيش الشعبي. تلك الحرب التي تشنها عصابة جوبا ضد السودان في (المناطق الثلاث) ليست حرب شعب الجنوب. بل حرب المصالح الأمريكية في السودان. وقد رحَّبت الحكومة الأمريكية علناً بالدور العسكري الإقليمي لحكومة الجنوب ضد (جيش الرَّب)، مثلما ترحِّب صمتاً بالدور العسكري للجيش الشعبي في (المناطق الثلاث) إضافة إلى دارفور. كذلك مثلما اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية باشتراك أمريكا، بتقديم دعم عسكري واستخباري في المعارك ضد (جيش الرَّب) التي قادها التحالف الإقليمي الثلاثي (الأمريكي)، تحالف حكومة الجنوب وأوغندا والكونغو. كذلك بنفس المعيار تُعتبر المواقف الأمريكية مُمثَّلة في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن الدولي في جوهرها اعتراف بنشاط الحركة الشعبية المسلّح العدواني في (المناطق الثلاث) ودارفور. حيث جاءت في ذلك السياق مطالبات الرئيس الأمريكي بوقف إطلاق النار في جنوب كردفان، دون الإشارة إلى إدانة أو تنديد أو إصدار عقوبات أو مطالبة بانسحاب فوري للمعتدي. لقد أشعل الدور العسكري الإقليمي الجديد لعصابة جوبا نيران الحرب، في أربع جبهات قتال داخل الأراضي السودانية. أصبح شمال السودان ساحة الحرب العدوانية. تلك الحرب العدوانية المشتعلة في ساحة شمال السودان، ستنقل كوارث الأزمات المستوطنة في منطقة وسط أفريقيا إلى شمال السودان، لتعربد في عمق السودان، إلى جانب الجيش الشعبي كلٌّ من الجيوش الأوغندية والكونغولية، وذلك في إطار تحالفها العسكري الثلاثي، ودورها العسكري الإقليمي الجديد. بمباركة أمريكية أو بطلب أمريكي، بادرت عصابة جوبا إلى شن الحرب ضد السودان في أربع جبهات، واحتلت بدعم أوغندي قلب النفط السوداني في هجليج، قبل أن يدحرها الجيش السوداني. بصورة متزامنة بادرت عصابة جوبا إلى إشعال الحرب في عمق السودان في أربع جبهات. حيث أن حكومة الجنوب هي الذراع العسكري لواشنطن ضد السودان. هي الآلية العسكرية التي تستخدمها أمريكا لإسقاط خصومها عن الحكم. عصابة الحركة الشعبية في جوبا لم ترفض الطلب الأمريكي لتوريطها في حرب ضد السودان. حرب تخدم مصالح واشنطن، ولا تخدم الجنوب ومواطنيه. لكن حكومة (كاتنجا) الإنفصالية في جوبا، ستدرك بعد فوات الأوان أنها ارتكبت خطأ فادحاً، وذلك عندما تطيح بها عاصفة حربها العدوانية ضد السودان، ويسقط عرشها الورقي في (جوبا).