الفريق ركن محمد عبد الله آدم، الخبير العسكري، التقته «الإنتباهة» ليعلق على أحداث هجليج، حيث استنكر تدخل السياسيين في عمل العسكريين، مبيناً أن تدخلاتهم دائماً ما تنعكس سلباً على الميدان وأنها سبب كل الكوارث التي حدثت، وقال إن هذه الحرب حرب بين دولة ودولة، ويجب ألّا نحشد لها قوات دفاع شعبي وألّا نعتمد على أبناء المسيرية فحسب، بل يجب أن نتعامل معها بجدية أكثر، وقال إن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن التقصير والتفريط الذي أدى لاحتلال هجليج.. وأشار إلى أن ما حدث هو تكرار لأحداث خليل، وهو ناتج عن خلل في المنظومة الأمنية، مؤكداً أن ما حدث في هجليج هو غزو وتعدٍ أجنبي خاصة أن المنطقة شمالية، وحذّر الفريق آدم من قطع زمن محدَّد لاسترجاع المنطقة المحتلة لأنه في حالة عدم الإيفاء بالزمن المحدَّد سيكون وقع ذلك سيئًا على الجنود الموجودين في الميدان، ويجب أن يُترك كل شيء للجندي الموجود في الميدان لأنه هو الشخص الوحيد الذي يستطيع تحديد كل شيء.. فلنتابع إفاداته حول هذه القضية في هذا الحوار: ما الذي يترتب على الانتصار وتحرير هجليج على الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية؟؟ هذا الانتصار كان متوقعاً وله دلالات كثيرة أولاً على الصعيد الأمني فهذه هي الخطوة لتأمين هجليج تأمينًا كاملاً حتى لا تتكرر مثل هذه الهجمات ورفع الروح المعنوية للقوات المسلحة والمجاهدين وكذلك روح الشعب.. أما من ناحية اقتصادية فهي مدينة معروفة ببترولها الهائل وسوف يقوم أبناؤنا المهندسون بإعادة تأهيلها للعمل وسوف تشارك في دعم الاقتصاد.. أما من ناحية سياسية فسوف تستغل لمصلحة البلاد هذه الوحدة التلقائية وهذه الحشود التي خرجت في كل شوارع السودان. وهذا الأمر يعطي أولي الأمر دفعة لمزيد من العطاء كما يجب أن تُستغل هذه الفرصة لتوحيد الصف وتوحيد الكلمة والجهود السياسية لحل ما تبقى من مشكلات الوطن خاصة جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور واستغلال هذا الإجماع الاستغلال الأمثل. تحدثت الحكومة عن وجود حشود عسكرية حول المنطقة، لماذا لم تحتط لذلك فهذه هي المرة الثالثة، وهل ما حدث في هجليج تكرار لهجوم خليل على أم درمان.. وأين التفريط؟ بالفعل كانت المعلومة متوفرة، ووجود حشود يعني أن هناك نوايا سيئة، وكنا نتوقع أن تكون هناك تحوُّطات قوية في المنطقة حتى يتم إفشال أي نوايا لهذه الحشود.. أين التفريط؟ الوقت لا يزال مبكراً للكشف عن التقصير تحديداً، «ويا داب» المعلومات بدأت ترد، والوقت غير مناسب للحديث عن التقصير لأن القوات العسكرية حتى الآن تعمل ولا يصح الحديث عن أي نقد الآن لأنه سوف يُحدث أثراً سلبياً على الجنود في الميدان.. لكن سوف يأتي الزمن الذي يتحدَّث فيه الناس بكل صراحة عن تلك الأحداث.. هل ما حدث في هجليج تكرار لسيناريو أحداث خليل؟ نعم هو بالفعل تكرار.. ولو تحدثنا عن هذا نجد أن هناك خللاً في المنظومة الأمنية؛ لأنك عندما تأتي للمدافعة عن موقع أو مدينة يكون دفاعك في مسافة بعيدة عن المدينة أو الموقع على الأقل «20» كلم، وكنا نتوقع أن تكون الدفاعات موجودة على بُعد عشرين كلم منها، حتى إذا جاءت أي قوات مهاجمة تصطدم مع القوة المتقدمة، وعندما أتى خليل لم تكن هناك أي قوات متقدمة لكي تقابله في الخارج، وكان هذا درسًا مستفادًا وكان بالإمكان الاستفادة من هذا الدرس في المواقع الأخرى خاصة الإستراتيجية مثل هجليج. فالمنظومة الأمنية محتاجة لمراجعة خاصة في المناطق الإستراتيجية. السياسيون تراخوا على اتفاق أديس والحركة خدعتهم بفتحها معهم طريق تفاوض فكانت أحداث تلودي ثم تلتها هجليج؟ القائد العسكري الموجود في الميدان هو الذي يقيِّم الموقف، وهو الذي يقيِّم الحشود، وهو الذي تأتيه المعلومات الاستخباراتية عن نوايا العدو، وهو الذي يُعدُّ لمجابهة هذا العدو، أما مسألة التفاوض والتحاور فإن القائد العسكري من المفترض أن لا يلقي لها بالاً.. ولا مجال لتدخل أي قرار سياسي، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤخذ به في القرار السياسي هو قرار الانسحاب، أي انسحبوا وأوقفوا العمليات العسكرية، ويُفترض ألّا يتأثر القرار العسكري بالتفاوض والحوار السياسي. «طيِّب» هل الحكومة تتعامل مع الوضع الماثل على الأرض الآن بطريقة تتوافق معه؟ الحكومة الآن تعمل على أساس أن تستعيد هجليج، وهذا هو واجبها، ومن المفترض أن تعمل المستحيل لإعادة هجليج لأنها منطقة شمالية، وما حدث فيها يعتبر تعديًا وغزوًا أجنبيًا.. وعلى الحكومة أن تعمل المستحيل لاستعادة هجليج.. ولكن أحذِّر من الانفعال والتسرُّع في القرار والعمل العسكري، والحديث عن استعادتها خلال ساعتين وثلاثة نحن كعسكريين خضنا عمليات داخل الميدان، هذا الحديث يجب ألّا يكون.. فعندما نعد بإرجاع الموقع المحتل خلال زمن محدد ولا يحدث الاسترجاع فهذا الشيء يكون له مردود سيء، يجب أن يترك السياسيون عمل العسكريين وألّا يتعرضوا له حتى ولو بالتصريحات، اتركوا عمل العسكريين للعسكريين فقط.. وعلى العسكريين ألّا ينفعلوا وأن يرتبوا متى يضربون ومتى يلتفون حول العدو، كل هذه الأشياء تأخذ زمنًا طويلاً ولا يمكن تحديدها بزمن قاطع. انقسام الجبهة الداخلية.. هل له تأثير على الجانب العسكري؟ القائد العسكري من المفترض ألّا يتأثر بأي عمل عسكري هو عليه واجب محدَّد.. والجبهة الداخلية المتباينة لا يوجد فيها شخص يؤيد احتلال هجليج، فكل القوى السياسية تتحدث عن أن هذه منطقة شمالية ويفترض ألّا يستولي عليها الجنوبيون إلا إذا كان هناك جبهة داخلية تعتبر أن ما قامت به حكومة الجنوب هو صحيح، وإن وُجدت بالفعل يمكن أن تؤثر على معنويات الجنود الموجودين في الجبهة.. هل يمكن السيطرة على الحرب بوضعها الحالي؟ وهل يمكن أن تصبح حربًا شاملة؟ للميدان تطورات، ونحن مصرون على استعادة هجليج، ونحن نسمع من الطرف الآخر الذي يقول إنهم لن ينسحبوا وسوف يتمسكون بقوة، فهذا يعني وقوع الحرب التي تبدأ بمناوشات، بعد قليل تدخل فيها مدفعيات وطيران، بعدها قذف في العمق هنا وهناك، هذه الدولة تلجأ لأصدقائها وكذلك الأخرى وتتدوّل وتصبح إقليمية، ونرجو ألّا يصل الموقف لهذا الحد، والجنوبيون لا يريدون هجليج لضمها إليهم ولكن للمساومة بها، والعالم كله وقف ضدهم لأن موقفهم غير قانوني، ونحن إذا أخرجناهم بالقوة من هجليج سوف يذهبون لهدف آخر احتمال أبيي لأنهم يبحثون عن شيء يساومون به خاصة أن لديهم قناعة بأن أبيي تابعة لهم وقواتنا تحتلها، لذلك أتوقع بعد خروجهم من هجليج أن يذهبوا لموقع آخر.. الحرب الدائرة الآن.. طريقة التعامل معها من جهة الشمال على أساس أنها حرب أهلية وليست حربًا بين دولتين.. بم تعلق؟ الخط واضح، هي حرب بين دولة ودولة، ويجب التعامل معها في هذا الإطار، وفي هذه الظروف من المفترض أساساً الاعتماد على القوات المسلحة لأنها حرب بين دولتين تتطلب تخطيطًا ومراقبة ومعلومات كثيفة، وهذه لا يمكن أن تُبنى إلا على نظام معين، وألّا تعتمد على الدفاع الشعبي وأبناء المسيرية، لا بد من التخطيط، لأن هذه حرب بين السودان ودولة مجاورة، وربما تستمر «لقدام» لا بد من النظرة البعيدة. وجود الجنوبيين في الشمال من ناحية، ونتوقع أن يكون هناك طابور خامس مندس بينهم من ناحية، ومنحهم الحريات الأربع وبعض الامتيازات التي تُمنح لهم.. ماذا تقول في ذلك؟ في رأيي الشخصي أن كل الجنوبيين الذين صوتوا للانفصال لا أعتقد أن منهم بقية الموجودين الآن هم ال «3%» التي صوتت للوحدة، ولا أعتقد أن بينهم طابورًا مندسًا إلى الدرجة التي تؤثر على أمن الدولة، ولا يوجد أي جنوبي بالقوات المسلحة، ولا حتى في الشرطة ولا الأمن، وهذه هي الجهات التي تؤثر، ومنح الحريات يتطلب مناخًا آمنًا خاليًا من المشكلات بعيدًا عن المناوشات، وأن تكون المنطقة خالية من الحركات المسلحة، في هذه الحالة هي مقبولة، ووجود الشماليين في الجنوب مؤثر أكثر من وجود الجنوبيين في الشمال، لأن الشماليين الموجودين في الجنوب هم رأس مالية، وهم «ناس فاهمين وناس اقتصاديين».. ونحن لدينا رأس مال شمالي في جوبا... الصين باعت سلاحًا للجنوب، والآن موجود في ممبسا وفي نفس الوقت تعمل في بترول الشمال.. كيف تقرأ هذا الموقف؟ هل هو في إطار إستراتيجي؟ الأمم مصالح.. الصين جارية خلف مصالحها.. والصين طمعانة في الجنوب لأن كل شركاتها الآن في الجنوب، لذلك يمكن أن يلعبوا علينا، يمسكون طرفي العصا من هنا وهناك، اللعبة لعبة مصالح. رأيك في دور الاتحاد الإفريقي في إدارة هذه الأزمة ومعالجتها خاصة بعد وفاة القذافي وأصبح يدار بواسطة الأمريكان والاتحاد الأوربي؟ الاتحاد الإفريقي أو الأفارقة ينظرون لما يدور في السودان نظرة يمكن أن يكون الناس غير واضعين لها أي اعتبار، فهم يعتبرون ما يدور في السودان هو حرب بين العرب والأفارقة، في السابق كانت حربًا بين الجنوبيين الأفارقة والشماليين العرب، والآن انضم للجنوبيين أبناء جبال النوبة وأبناء النيل الأزرق، فهذه دعمت من نظرة الأفارقة، وإذا أصبحت علاقتنا «سمن على عسل» مع الجنوب ستكون أوغندا هي البديل للحركات المسلحة لأنهم يعتقدون أن ما يدور في السودان هي حرب ما بين العرب والأفارقة، لذلك أرى أن الاتحاد الإفريقي لا يمكن أن يكون محايداً دائماً يرجح كفة الجنوب بمفهوم عرب وأفارقة. هل حقيقة أن هذا الصراع يقع في دائرة الأمن القومي الأمريكي؟ نعم لأمريكا مصالح ومصالح إستراتيجية في المنطقة، فإذا حسّنّا علاقتنا معها ستحصل على مصالحها من خلال الشمال، وإذا حسن الجنوبيون علاقاتهم بها ستنتقل لهناك.. تصريح رايس قبل أيام طالبت فيه الجنوبيين بالخروج من هجليج، وهذا يوضح أنهم يذهبون خلف مصالحهم وهم على دراية أن بتلودي يورانيوم وغيره.. فهم يبحثون عن الحكومة التي يثقون فيها وينتفعون من خلالها. هناك من يتحدث عن قيام حكومة أزمة.. ما رأيك في هذه الدعوة؟ أنا أرى أن هناك وفاقًا، فالهجمة على هجليج قرّبت المسافات بين القوى السياسية وأصبحوا كلهم همهم كيف ترجع هجليج، فهذه خطوة في طريق وفاق سياسي كامل، فإذا قامت حكومة أزمة فهذا يعني أن هناك وفاقًا بين الحكومة والمعارضة، بعدها سوف تكون الكلمة واحدة والمجهود واحد والصوت واحد، سواء في المجتمع الإقليمي أو الدولي، ولا مكان للنشاز والأصوات المختلفة لأن حدوث ذلك يجعل العالم لا يهتم بالسودان، أتمنى أن تكون هجليج فاتحة خير لوفاق وطني وحكومة وطنية لحل مشكلات السودان. كخبير عسكري.. ما الذي يُستفاد من هذه الدروس: تلودي وهجليج وأحداث خليل؟ القوات المسلحة قوات عريقة ولها انتصارات كبيرة، وكذلك الجندي السوداني جندي شجاع، وكذلك الضابط السوداني، ولكني أرى أن السياسة لا بد أن تبعد من العمل العسكري، لأن العسكرية هي احتراف وأنت تعرف «انت بتعمل في شنو» درست في المعاهد والكليات تعرف كيف تتصرف عندما يقال لك إن هناك حشودًا بالقرب من هجليج، أنا متأكد من أن العسكريين المحترفين لو لم تكن هناك تدخلات ثانية ما كان الحصل ده سيحصل، وربما تكون هناك تدخلات غير مرئية في العمل العسكري، ولو تُرك العسكريون لوحدهم خليل ما كان وصل، وإذا تُرك العسكريون ليخططوا ويقيِّموا الموقف لما كان هناك تدخل من والٍ أو مسؤول كبير سياسي ولما كانت حصلت هذه الكوارث. وأنا أطالب وأدعو أن يُمنح العسكريون كل الصلاحيات من تخطيط وغيره، لأن تصريحات السياسيين قد تكون مضللة للجهات الأمنية، ولا شك في ذلك..