في العام 2010 والجنوب يقضي الليالي في انتظار تقرير مصيره والعام المنهك يمضي مودعاً بفصول جديدة على المشهد السوداني اقتربت خطوات سرية قادتها الشخصية الأولى في الحركة الشعبية لوضع حد للصراع مع عدد من المناوئين للنظام بالاقتراب شيئاً فشيئاً من الوصول لتفاهمات وكاد في ذات الوقت ووفق تلك التحركات الماكوكية للشخصية أن تؤتي ثمارًا بإعلان دولة جديدة دون معارضة مسلحة لخلق الاستقرار منذ البداية، وبينما هبّت على الراحل الفريق جورج أطور نسمات التصالح مع الرئيس سلفا كير وكاد يغلق باب الخلاف وضعت جهات بجوبا رسماً آخرَ عندما تحسست اقتراب أطور من دخول جوبا وهو ما يعني أن كثيراً من الأمور ستعود لنصابها وستدوم سيطرة أبناء الدينكا على سدة الحكم بالجنوب، تلك الجهات وضعت خنجرًا على صدر المواءمة التي كانت على الطريق بالإعلان عن محاولة انقلابية بقيادة أطور بدأت في الدوران حول كرسي الرئيس سلفا كير، ومع نفي أطور في ذاك الحين لتلك الاتهامات، نجحت الجهات هذه في إقصاء أكبر عملية تصالحية كان بإمكان الجنوب أن يشهدها بعد تصالحية تمرد الناصر الشهير في العام 1991م بقيادة رياك مشار وعودته مرة أخرى لحضن الحركة في العام 2002م. المحاولة الانقلابية التي وقعت تفاصيلها يوم الأربعاء الماضي تشير أصابع الاتهام فيها إلى أبناء «بور» بالجيش الشعبي وتلفت جهات مراقبة ومطلعة بالوضع في جوبا إلى أن شخصية عسكرية برتبة اللواء عملت سابقاً بالسودان تقف وراء العملية الانقلابية، وتجزم بأن الشخصية في جوبا ومعها عدد من الضباط مختلفي الرتب وجنود وحراس شخصيون داعمون للانقلاب، وفي المقابل قالت مصادر متطابقة إن مطار جوبا استقبل أمس شخصيات أوروبية رفيعة المستوى ومبعوثين خاصين من عواصم غربية كبرى لمعالجة الأمر الذي يقوده المسؤول الرفيع المستوى في جوبا بالانقلاب على سلفا كير، وغير ذلك أوضحت مصادر مشابهة أن قيادات بالحركة اجتمعت بسلفا كير دون الخوض في تفاصيل لكنها أكدت أن الأمر «جلل» وأقرت بوجود مشكلات داخلية كبيرة بالدولة خاصة بالمنظومة العسكرية، وميدانياً نشرت السلطات الأمنية وحدات من الشرطة بقيادة استخبارات الجيش بالمطار والكوبري والمعابر والتقاطعات الكبرى وحول كثير من المواقع المهمة، فيما تولت وحدة الأمن الرئاسي الخاصة بتأمين المرافق العسكرية ومخازن السلاح والقيادة العامة ومنازل المسؤولين. التداعيات السياسية والقبلية التي تحكم دولة الجنوب الآن رصفت الطريق أمام وقوع أكثر من «11» محاولة انقلابية على الحركة الشعبية الحزب الحاكم، هذا غير كثير من الانشقاقات العسكرية التي طغت على عمر الحركة منذ وقت طويل، وتحكمت مفاصل القبيلة بقوة في مسيرة الحركة، فتارة شقت جداول التمرد العنوان الرئيسي لإطفاء عطش النزاع على السلطة في دولة الجنوب، بينما وتارة أخرى فرضت نظرية المحاولة الانقلابية الصباح المرتقب لليالي حالكة الظلام لكثير من شعب الجنوب للتخلُّص من الحزب الحاكم حرباً وسلاماً في جنوب السودان قبيل 2011م، وازدادت رقعة المحاولات الانقلابية على الحركة الشعبية التي يرى المحلل السياسي الجنوبي ديفيد شون بحسب ما تسير عليه في الاتجاه السياسي، ويعتقد في حديث ل «الإنتباهة» عبر الهاتف من نيروبي بأن الحركة باتت تعيش أيامها الأخيرة عقب غرقها في بحر العداء مع شعبها وجيرانها وعقب الصفعة القوية التي تلقتها من المجتمع الدولي الصديق الدائم لها باحتلالها لهجليج والاتجاه بطريق الحرب للتعامل مع السودان، ويضيف شون أن جهات رفض البوح عنها لن تعرف السكون حتى تزيح الحركة الشعبية من طاولة الحكم بمجمع الوزارات في جوبا، ويقول«الأعداء داخلياً وخارجياً كثروا على الحركة المتخبِّطة القرار والفعل السياسي الذي سيقصم ظهرها قريباً» لكن بالمقابل يعتقد كثير من القادة العسكريين المنشقين عن الجيش الشعبي «الثوار» أن العمل الانقلابي لن ينجح في جوبا باعتبارات يرون أنها منطقية تشمل تجربتهم في إحداث الانقلاب بالاستعانة بالمنظومة العسكرية التي يدمغونها بغير النظامية والموثوق بها في مثل هذه الأعمال، ويذهبون أكثر من ذلك باعتبار أن الجيش الشعبي لم يصل مرحلة الوعي بالمصلحة الظرفية للدولة بعد متعللين بأن غالبية منسوبيه من الأميين، وعلى الطريق نفسه راجت أنباء مكثفة عن قيادة شخصيات رفيعة المستوى لمحاولة انقلابية هزمتها جهات خارجية غير الحركة، وتؤكد ملامح الخلاف الحاد الذي يضرب قيادة الجيش الشعبي حول الهجوم على هجليج والأوضاع الأمنية المتردية بأنحاء الجنوب وقوع المحاولة التي وضعت حدًا لزيارة الرئيس سلفا كير ميارديت لدولة الصين خواتيم الأسبوع.