بعد احتلال هجليج الدَّامي، ثم تحريرها الباسل البطولي، ما بال (صحافة المارينز) «السودانية»، ما حرَّك الضَّيم فيها الشَّمَم ولا رؤية الدم فيها الغضب. فقد استكانت دجاجة أليفة أمام عصابة الحركة الشعبية. عندما قامت عصابة الحركة الشعبية في جوبا باحتلال (هجليج)، أعلنِت التعبئة العامة لردّ العدوان. وتدافع الصف الوطني خلف الجيش السوداني حتى تمّ تحرير هجليج المحتلة. غير أن صحافة (المارينز) خلال ملحمة هجليج قد نشطت في دور التخذيل لعرقلة القوات المسلحة عن أداء مهامها في حماية سيادة السودان وشعبه وسلامة أراضيه. نشطت أقلام صحفيي (المارينز) ضد حملة تحرير (هجليج)، وعميت عن إدانة العدوان، كما عميت عن دماء الشهداء والجرحى والحقّ السلّيب. حيث استبان في ثنايا سطورها كأنها ترحِّب باحتلال هجليج، حتى كادت أن ترسل برقيات التهاني إلى سلفا كير. هل لصحافة (المارينز) أسوة حسنة في الشيوعي (علي نور الجليل) الذي نبذه السودان، فصار داعي دعاة عصابة (جوبا) في لندن.فقد ظلت صحافة (المارينز) تعربد عند احتلال هجليج، وتطعن الصف الوطني في الصميم، وتخذِّل وتهمهم وتشنشن بعدم جدوى الحرب، وتدعو إلى المسامحة والعفو عن المعتدين وقوات الإحتلال. وغاب عنها أن العفو لا يأتي إلاَّ عن مقدرة، وأن عفو المجني عليه عن الجاني، استكانة واستسلام لعدوان الجاني. صحافة (المارينز) المستكينة التي ترتدي ثوباً زائفاً من الحداثة، وقناعاً وهميَّاً من الديمقراطية، وتظنّ أنها صحافة ديمقراطية، لا تعلم أن الديمقراطيات الغربية كلها ديمقراطيات ذات أنياب، وأن الديمقراطيين الحقيقيين المؤسسين للنظم الديمقراطية في بلدانهم، ما كانوا نواعماً، بل كان كلهم وطنيين مقاتلين من أجل الوطن والشعب، من (كرومويل) إلى (جورج واشنطن) إلى (لافاييت). كلهم وطنيون من الطراز الأول ظلوا يقاتلون في ميادين المعارك من أجل الديمقراطية وسيادة الوطن وسلامة أرضه ومصالح شعوبهم. وكذلك مَن سار على طريقهم مِن السياسيين والمثقفين الديمقراطيين، سواءً مَن حملوا السلاح من أجل الديمقراطية مقاتلين ضد الفاشية مثل (أندريه مالرو) المثقف ووزير الثقافة، أو مَن لبثوا وراء السجون النازية مناضلين مِن أجل الحرية مثل (روجيه جارودي). وبينما كان (رالف إيمرسون) معجباً ب حديث النبي محمد «ص» (الجنة تحت ظلال السيوف)، ظلت صحافة المارينز في لحظة المصير الوطني تروِّج للإنبطاح والخذلان والإستكانة للعدوان، وترفع راية التمسُّح بأقدام عصابة جوبا. يلاحظ إلى أن عربدة صحافة (المارينز)، تنعم في السودان بتسامح ومعاملة ناعمة، يستحيل أن يحظى بها أمثالها في الديمقراطيات الغربية، في بريطانيا وأمريكا، على سبيل المثال. إدارة أمريكا وبريطانيا للإعلام في ظلّ الأزمات تلقى الضوء على كيف تتعامل الديمقراطيات الغربية مع (المخذِّلين)، وكيف تدير التغطية الإعلامية لحروبها (الوطنية)، وكيف يتم التعامل مع الصحفيين الذين يخرجون على الخط السياسي الوطني، والصحفيين الذين في نظرها يهددون المصالح الوطنية والأمن الوطني. حيث يتم إيقافهم عن العمل وفصلهم للصالح العام. هناك عدد كبير من النماذج في هذا الصدَّد. فقد تمّ خلال حرب الخليج الأولى في 1991م إعفاء (بيتر أرنيت) كبير مراسلي شبكة CNN عن العمل. وقد كان (أرنيت) أحد أشهر مراسلي حرب ڤيتنام. جاء إعفاء (بيتر أرنيت) وفصله من العمل للصالح العام، بسبب مقابلة تلفزيونية أجراها مع الرئيس صدام حسين. جاء الفصل بسبب أن (أرنيت) قد أتاح للرئيس العراقي الفرصة ليدلي بوجهة نظره، بينما كانت السياسة الأمريكية قد قررت إعلان الحرب على العراق والإستيلاء على موارده النفطية واحتلال أراضيه. تلك الفرصة التي أتاحها (أرنيت) لوجهة النظر العراقية، كانت من شأنها إضعاف حماس الرأي العام الأمريكي للحرب، وإسقاط ذرائع الحرب التي ظلت تحشدها الإدارة الأمريكية لتبرير الحرب ضد العراق . تم فصل (بيتر أرنيت) عن العمل في شبكة CNN في أبريل 2003م. في حرب الخليج الثانية، حرب احتلال العراق، حظرت أمريكا التغطية الإعلامية على الحرب، باستثناء تغطية وزارة الدفاع . فأصبحت الصحافة ومحطات الإذاعة وشبكات التلفزيون الأمريكي لا تنشر ولاتبث إلا ما تقدمه إليها وزارة الدفاع (البنتاغون). حيث أصبحت تغطية الصحافة الأمريكية للحرب هي فقط نشر التنوير الذي يقدمه (البنتاغون) لتلك الأجهزة الإعلامية. ما كانت تنقله الصحف الأمريكية وأجهزة الإعلام الأمريكية إلى الرأي العام الأمريكي عن حرب العراق، لم يكن غير تغطية (البنتاغون) الإعلامية للحرب، ولاشيء غير تغطية البنتاغون (وزارة الدفاع). في سياق إلزام الصحافة الأمريكية بالخط السياسي للدولة والخط الإعلامي الذي يحفظ المصالح الوطنية، حسب وجهة نظر قيادة الدولة، جاء إعفاء المذيع التلفزيوني الشهير (فيل دوناهيو)، صاحب أحد أكثر البرامج التلفزيونية شعبية (Donahue,s Talk Show) كان (دوناهيو) معارضاً لحرب العراق واحتلال العراق. فكان أن تمَّ فصل (دوناهيو) من تلفزيون MSNBC قبيل إنطلاق الحرب. تم فصل (دوناهيو) من العمل في 25 / فبراير 2003م. ذلك بينما كانت حرب الجيش الأمريكي في العراق، تبعد «3» آلاف ميل عن الأراضي الأمريكية، وليست حرب احتلال لأراضي أمريكية، كما حدث في (هجليج) حيث تم احتلال أراضي سودانية. وعندما تم اختطاف طائرة TWA الأمريكية، وسمحت إحدى قنوات التلفزيون الامريكي لأحد الخاطفين اللبنانيين بالحديث لدقيقة واحدة أو أقل ليقول إن الاختطاف هو لإلقاء الضوء على معاناة المسجونين سياسياً في سجون اسرائيل وأن يجب إطلاق سراحهم، هناك ظهر (هنري كسنجر) وزير الخاريجية ومستشار الأمن القومي السابق على شاشة التلفزيون لينتقد قائلاً لماذا تمنحون الفرصة للمختطفين (الإرهابين) ليقولوا وجهة نظرهم. وذلك لأن منحهم فرصة في الإعلام، سيبرز الجانب الذي تسعى السياسة الأمريكية لتغييبه عن الرأي العام الأمريكي في مسألة اختطاف الطائرة. كذلك فصلت شبكة CNN من العمل مذيعة التلفزيون (أوكتاڤيا نصر) مديرة قناة CNN في الشرق الأوسط، بسبب أنها عند رحيل السيد محمد حسين فضل الله كتبت في صفحتها في (تويتر) تعليقاً أشارت فيه إلى أنها تحترم هذا الرجل. السياسة الأمريكية الرسمية تعتبر السيد/محمد حسين فضل الله (الأب الروحي لحزب الله اللبناني) إرهابياً، وخطراً على المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي. فكان أن فصلت CNN (أوكتاڤيا نصر) وهي (مارونية) بسبب رأيها الشخصي الذي كتبته في صفحتها الشخصية في (تويتر). فصلت CNN (أوكتاڤيا نصر) في 7/7/2010م. كان تعليق (أوكتاڤيا) الذي فصلت بسببه يقول (أنا حزينة لسماع أنباء رحيل السيد محمد حسين فضل الله أحد عظماء حزب الله، والذي أحترمه كثيراً). كذلك فصِلت من العمل الصحفية الكبيرة الشهيرة (هيلين توماس) كبير مراسلي البيت الأبيض، عندما قالت وجهة نظرها الشخصية بأن حلّ مشكلة الصراع العربي- الإسرائيلي يكمن في عودة المهاجرين الصهاينة الذين قدموا إلى فلسطين إلى أوطانهم التي هاجروا منها إلى فلسطين. وقد فُصِلت (هيلين توماس) عن العمل في 7/ يونيو 2010م، بعد عملها قرابة خمسين عاماً كمراسلة في البيت الابيض. في بريطانيا كان فصل رئيس تحرير صحيفة ديلي ميرو لنشره صورة جندي بريطاني (يتبوَّل) على سجين عراقي، مما يبرز قذارة وعدم أخلاقية مشاركة الجيش البريطاني في احتلال العراق. وهناك عشرات العشرات من الأمثلة على تعامل الديمقراطيات الغربية مع المخذِّلين الذين يعيقون وحدة الصف الوطني، ويطعنون الجيش الوطني والأمن الوطني والصف الوطني والمصالح الوطنية من الخلف. دولة الجنوب دولة أجنبية محتلة لأراضي السودان. إذا كان في بريطانيا الصحفيون الذين يغطُّون الشئون الدولية هم دائرة خاصة ترتبط بوزارة الخارجية، فبماذا ترتبط صحافة المارينز عند تغطيتها أحداث احتلال أرض سودانية بواسطة جيش أجنبي (الجيش الشعبي). في السودان غفلة كبيرة في التعامل مع المخذِّلين والطابور الصحفي الخامس، الذي يطعن بنوايا حسنة أو سيئة الجيش الوطني والصف الوطني من الخلف ويخدم المحتل الأجنبي. في خلال ملحمة (هجليج) الباسلة ودماء الشهداء تتدفق على أرض هجليج المحتلة، كان الشريط الاخباري في قناة «X» السودانية، يتحدث عن (الحركة الشعبية- جناح السلام)، وكانت صحيفة (X) تجري لقاءً من صفحة كاملة مع أحد قيادات (الحركة الشعبية- خيار السلام)، وكانت صحيفة (X) تبخس قتال أبناء الوزراء (عددهم ثمانية) في الصفوف الأولى في جبهة (هجليج) المحتلة، وكانت صحيفة (X) تسخر من (الحرب لاسترداد هجليج) ومن نداء (النار ولَّعت)، وصحيفة أخرى تنادي بالعفو عن المحتفلين باحتلال هجليج من كوادر الحركة الشعبية في جامعة (الرباط)، وصحيفة أخرى عند احتلال هجليج اقترحت إن يتم بيع خط الانابيب لدولة الجنوب، وغير ذلك. تجدر الإشارة إلى أن في أعقاب حرب الخليج الأولى (عاصفة الصحراء) قام مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن CSIS بإعداد دراسة تقويمية عن أداء إذاعة (صوت امريكا) خلال الحرب. السودان بحاجة إلى دراسة مماثلة لتقويم أداء أجهزته الإعلامية خلال معركة الوطن لتحرير أراضيه المحتلة، سواءً في (هجليج) التي عادت إلى حضن الوطن، أو غير (هجليج) من الأراضي السودانية التي عزم الشعب والجيش السوداني على تحريرها وطرد قوات عصابة (جوبا) المعتدية من رحابها.