سالت مني دمعة بل دمعات بينما كنتُ أغوص في كلمات الأخ عبد الماجد عبد الحميد حول (أبناء القيادات) في صحيفة الأهرام اليوم التي تشرّفتْ بتوليه رئاسة تحريرها فقد كفاني مؤونة الرد على حيدر المكاشفي وما كنتُ سأكتب أعظم مما كتب وهو يسكب عصارة بيانه ليلطم المكاشفي ويقتل بعوضته الصغيرة بفأس ضخمة وكم كان عبد الماجد مُفحماً حين قال مسلِّياً المجاهدين في جبهات القتال وأسرهم الصابرة المحتسبة ممَّن تهكم المكاشفي منهم: (لن ينقص من عزمهم ولا مضائهم تبخيس كاتب لم يجرِّب يوماً حرارة القتال.. ولا ضراوة المواجهة.. وكثيرون ممَّن يكتبون كل شيء في هواء الخرطوم الطلق و(طراوة) التقليل من قدر الآخرين بحجة المعارضة التي صارت متاحة ومباحة ومضحكة وإن طعنت في شرف الوطن ونية من يُقبلون على الموت بعين مبصرة وقلب متيقن)!! عوداً حميداً أخي عبد الماجد فما كان للأقلام الرسالية أن تصمت في زمان تطاول فيه على الكتابة كلُّ من هبَّ ودبَّ ممّن يفتُّون في عضد الأمة من أن تنهض ويُشيعون ثقافة الاستسلام في انتظار الدبابات الأمريكية أو المال الأمريكي.. ليتك يا عبد الماجد تحدِّثنا عن فضيحة الأموال الأمريكية التي تلقّفتها تلك الأقلام من خلال بعض المنظمات والتي انكشف أمرُها عندما اختلف اللصان وانفضح السارق!! العجيب أن المكاشفي ورفاقه لا يزالون حتى بعد احتلال هجليج التي يُفترض أنها أرضُهم.. لا يزالون يصفوننا بدعاة الحرب والفتنة ولذلك لا غرو أن يغضبوا لحملة التعبئة والاستنفار فهذا كله من قبيل الدعوة إلى الحرب فلا هم يحاربون ولا يتركون الرجال يحاربون!! مع أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أُمر بتحريض المؤمنين على القتال!! لم أعجب لحيدر المكاشفي وهو يتهكّم من مشاركة أبناء القيادات في النصرة الجهادية فالرجل يسوقه توجُّهه الفكري بعين السخط التي لا تبدي غير المساوئ مما يُفقده الموضوعية ويُخرجه من دائرة التأثير على القراء ومعلوم أنه ما من شيء يجذب القارئ أكثر من تماسك الفكرة المعبَّر عنها من خلال المقال وصدق الموقف وبُعده عن التحامل وظلم من يتناوله الكاتب.. أقول لم أعجب للمكاشفي وهو يُحيل مواقف نبيلة أقدم عليها أبناء القيادات بتشجيع من ذويهم إلى أمرٍ تافه لا يستحق غير التهكُّم والسخرية والانتقاص بقدر ما عجبتُ لمثقف بارز وهو ينتقد خروج رجال في وزن الزبير بشير طه والي الجزيرة إلى الجهاد في وقت كان الأولى حسب رأيه أن يظل في موقعه السياسي الذي يرى د. عبد الله علي إبراهيم أنه أكثر أهمية من دوره الجهادي. أقول لدكتور عبد الله ولأمثاله ممَّن يرون رأيه إنهم أغفلوا جانب القدوة بتأثيره الهائل على معنويات المقاتلين وهل الحرب إلا روح معنوية مُقبلة على القتال بإرادة قوية مصمِّمة على النصر أو في المقابل روح منهزمة خوّارة مُحبَطة تعجز عن مواجهة العدو ومقارعة الخطوب؟! لقد كان أكثر ما يفتُّ في عضد مقاتلي الحركة الشعبية أيام الانتصارات الكبرى قبل كارثة نيفاشا وانكساراتها المدمِّرة أن يعلموا أن أبناء قرنق يدرسون في أمريكا وأن أحدهم كان يعمل عارض أزياء في نيروبي بينما كان الجنوبيون العاديون يُخطَفون من قِبل الجيش الشعبي وهم أطفال ويُجبرون على القتال في صفوف الجيش الشعبي كما أن أكثر ما يقدح في قضية خليل إبراهيم أن متمرديه يخطفون الأطفال والشباب من أماكن التعدين العشوائي للذهب ليقاتلوا معهم بينما أولاد خليل يدرسون في جامعة الخرطوم ومدارسها وكذلك الحال بالنسبة لشقيقه جبريل الذي يقاتل بالبسطاء والمساكين ويدفعهم إلى الموت في حرب شيطانية يتحالفون فيها مع جنود سلفا كير ضد المسلمين من بني وطنهم ويُعينون الأعداء في شنّ الحرب على بلادهم وعلى احتلال أراضيهم وتدمير منشآتهم النفطية وغيرها. لذلك فإن شباب السودان حينما يرَون الوالي الزبير بشير والوزير عيسى بشرى والوزير «أمير المجاهدين» الصادق محمد علي وغيرهم بينهم يمتشقون السلاح ويتعرضون لقسوة العيش بعيداً عن بهرج المنصب الوزاري بل عندما يرَون أولاد نافع علي نافع وغيره من قيادات الدولة بينهم يكونون أكثر اندفاعاً واطمئناناً ويخنس الشيطان ويعجز عن اللعب بعقولهم التي تعبث بها كتابات المخذِّلين عبر مواقع الإنترنت وغيرها من صحافة المارينز. لا شيء أكثر تأثيراً من القدوة في شتى ميادين الحياة ولذلك فإن أكثر ما يركز عليه أعداء الحكومة التباين الكبير بين المثال والواقع وبين أحلام «المشروع الحضاري» بألقه ومثالياته بما فيها سيرة ابن الخطاب وواقع الحال بما فيه من فساد يعتبر نقطة الضعف الكبرى التي ينتاشون بها هذه الحكومة ولذلك فإنه بقدر ما يكون البون شاسعاً بين المثال المعبَّر عنه في أدبيات الحكومة وخطابها السياسي والواقع البعيد عن ذلك المثال يكون التمرد على الحكومة والخروج عليها بشتى الوسائل وفي المقابل فإن نماذج المجاهدين من صفوف الحكومة ومن أبناء القيادات تُحدث تأثيراً هائلاً في تلاحم الشعب مع قيادته وفي إصلاح الصورة الشائهة التي خلّفها تواتر القرائن والشواهد على استشراء الفساد. لا أظن أن هذه المعاني تفوت على الأخ عبد الله علي إبراهيم وأشعر أنه قصد المبدأ العام المتمثل في أن وجود الوالي في موقعه يخدم الناس أكثر من انخراطه في ميادين القتال والجهاد لكن شعب السودان الذي شاهد بروف الزبير بشير بين جماهيره بعد أن عاد من هجليج وشاهد عيسى بشرى له إحساس آخر بعد أن أحدثت هجليج زلزالاً من المشاعر الوطنية التي سيكون لها ما بعدها إن شاء الله.