ما أن وضعت حرب هجليج أوزارها، وأُدخل السيف في غمده بعد أن حسمت المعركة عسكرياً، لاحت في الأفق معارك أخرى يصفها المراقبون بأنها لا تقل خطورة من المعركة العسكرية إذ انتقلت حكومة السودان من أرض المعركة إلى أراضٍ أخرى تدار فيها حرب الدبلوماسية والاقتصاد والقانون، وكل جهة تحزم حقائبها وتتجه صوب هجليج في الاستعداد لمعركة قد يكون هدفها كما رشحت بعض المصادر كسب التأييد الدولي وتعزيز موقف حكومة السودان خارجياً بجانب الملاحقات القانونية وتعرية حكومة جنوب السودان تماماً وكشف صورتها الزائفة وتأكيد ديدنها في الغدر والخيانة. تتعدد الوفود والمعركة واحدة ومن هنا فالطائرة التي أقلتنا إلى هجليج كانت تضم ثلاثة وفود كل منها جاء على حدة، فوزارة العدل جاءت على رأس وكيلها مولانا عصام الدين عبد القادر الذي قاد أعضاء لجنة الحصر وتجميع البيِّنات لمقاضاة دولة الجنوب برئاسه مولانا محمد فريد حسن وعضوية مولانا ياسر أحمد محمد رئيس نيابة أمن الدولة، وينحصر الهدف الأساسي والإستراتيجي لهذه اللجنة في جمع البيِّنات والدلائل التي تؤكد إدانة جنوب السودان في عدوانها الأخير إضافة الى صياغة دعوى قضائية متماسكة وشاملة توطئة لتقديمها للمنابر القانونية والمحاكم الدولية، وفي ذات الطائرة صعد وكيل وزارة الخارجية وبصحبته مجموعة من البعثات الدبلوماسية للوقوف على أعمال الخراب والدمار التي نجم إثر العدوان، وأيضاً كانت وزارة النفط حاضرة بوفدها وخبرائها. في هجليج لا صورة توحي بأن هناك حياة، فهجليج التي اغتصبتها ذئاب الحركة الشعبية في ليل وحين غفلة ما زالت تعاني من تبعات هذا الاغتصاب، ورغم أن الجيش السودان ببسالته وقوة إيمانه قد قام باستعادتها مرة أخرى إلى حضن الوطن في مشهد تفاعلت معه كل مكونات الشعب السوداني حيث لا صوت علا فوق صوت الوطن. انتقام وحقد المشهد هناك يؤكد أنها كانت حرباً هدفها الأول الانتقام والدمار في سيناريو أعاد إلى الناس سيرة تمرد توريت وأكد تماماً نوايا الغدر والخيانة والحقد الذي حملته الحركة الشعبية لمقدرات البلاد. ومن هنا ينطلق مارثون القانون وأعرافه، ويبدو أن وكيل وزارة العدل مولانا عصام الدين عبد القادر ظل على يقين تام بأن عملية حصر الأدلة والبينات لن تأخذ وقتاً طويلاً مشيرًا إلى أن الحركة الشعبية اعترفت أمام المجتمع الدولي بجرائمها، موضحاً أن الاعتراف في العرف القانوني يكون أقوى البينات. دمار وحرق!! في جولة تفقدية قامت اللجنة بمرافقة مدير جهاز الأمن بهجليج السيد محمد زين حيث وقفت اللجنة على حجم الدمار والاعتداء، وظهرت جلياً آثار التدمير التي تمت عن قصد، حيث كشفت الجولة عن أن التدمير تم عبر تخطيط من قبل مختصين مستخدمين متفجرات نارية إضافة إلى أن التدمير الذي تم كان من جهة الجيش الشعبي، إلى ذلك نقلت مصادر مطابقة أن الجيش الشعبي استخدم التدمير كخطة بديلة في حالة عدم استطاعته مسايرة الوضع. كما أن جهاز الأمن قام خلال الأيام الماضية بنشر مكالمة هاتفية فحواها أوامر بدمير مناطق البترول والانسحاب. انتهاك الإنسانية!! ومن مواقع البترول إلى المنشآت المدنية ومستشفى هجليج حيث رصدت «الإنتباهة» بالعدسة كيف أن الحركة الشعبية قامت بنهب المعدات الطبية والأدوية ومن ثم تدميره وأسر مرضاه ومعاملتهم بما يتنافى مع قانون معاملة الأسرى لتدونها اللجنة وتعتبرها بينة واضحة لا لبس فيها، حيث أوضح وكيل الوزارة مولانا عصام الدين أن هذا العمل يعتبر انتهاكاً للإنسانية وقال إنه لا يمكن أسر مريض واعتباره مقاتلاً، وأكد أنه هذه الفعلة تمثل دليلاً قوياً وحجة واضحة، وبالمقابل نجد أن الحركة الشعبية قامت بحرق سوق هجليج بكاملة فضلاً عن نهبه وسرقته وأكدت اللجنة أن هذه أفعال تضم إلى ملف جرائم الحرب وأعمال العصابات. استخدام سلاح محظور!! في مقر قيادة الجيش السوداني استقبل اللواء قائد متحرك استعادة الحق اللواء كمال عبد المعروف أعضاء اللجنة حيث كشف لهم عن استخدام الحركة الشعبية لأسلحة محظورة دولية، وقال إنهم استخدموها لقتل المواطنين والجنود، مشيرًا إلى استخدامهم لسلاح «الفونك» وهو عبارة عن غاز سام يعمل على شل حركة الجندي و تعطيل السلاح أو بما يعرف ب«المانع» وقد قدمت إدارة الاستخبارات والأمن أنموذجاً لهذا السلاح الذي يعد من الأسلحة الفتاكة حيث تم تحريمه دولية إضافة إلى إنزال العواقب الوخيمة على الدول التي يثبت تورطها في استخدامه في أي معركة. كما مدت القوات المسلحة ممثلة في هيئة الاستخبارات والأمن أعضاء اللجنة بمعلومات ووثائق تدعم أعمال اللجنة. اتهامات باطلة كما دحض اللواء كمال عبد المعروف الاتهامات التي وجهتها دولة جنوب السودان للجيش بأنه قام بقصف منشآت البترول بالطيران. مفندًا ذلك بأن الجيش استخدم أساليب عسكرية متقدمة في الاختراق والاشتباك لتفادي أي خسائر، مشيرًا إلى أن الجيش اعتمد في بداية المعركة على القوات الخاصة والسلاح المظلات. وأوضح عضو اللجنة رئيس نيابة أمن الدولة مولانا ياسر أحمد محمد أن الحقائق والشواهد تؤكد ارتكاب حكومة الجنوب أعمال جرائم حرب، وقال إن الشواهد تشير إلى أنها ارتكبت أعمالاً ضد الإنسانية، وكشف مولانا ياسر عن اختراق الحركة الشعبية جميع مواد القانون الجنائي والقانون الدولي، وتعهد بأن اللجنة ستعمل على صياغة دعوى قضائية متماسكة وقوية أساسها الأدلة والبراهين. مؤكدًا أن دولة الجنوب ستقوم بدفع فاتورة الدمار والتعويض كاملة أو اللجوء إلى ساحات القضاء الدولي والمحلي مطمئناً في ذات الوقت على أن موقف الحكومة قوي وأكثر إيجابية مقارنة بالحقائق على أرض الواقع. الجاز .. يحول مكتبه إلى هجليج!! لفت انتباه كل الوفود التي تأتي لزيارة هجليج مرابطة وزير النفط الدكتور عوض الجاز في مسارح العمليات وهو يقوم على الإشراف الكامل لكل مواقع العمل التي تضررت ومنذ دخول إلى هجليج حتى خروجنا ظل الجاز يتابع بنفسه وصول قطع الغيار وتركيبها من المطار إلى المواقع، وقد ذكر البعض أن عوض الجاز سيقوم بتحويل مكتبه مؤقتاً إلى هجليج حتى تستقر العمليات الفنية بمواقع العمل، وفي منحى ذي صلة باشرت جمعية الهلال الأحمر عملية دفن قتلى جيوش الحركة الشعبية في المقابر الجماعية ولقد علّق بعض المجاهدين على رفضهم دفن الجثث في الأراضي الشمالية. خروج «المتهم برئ حتى تثبت إدانته».. قاعدة قانونية عتيقة يستخدمها المحامون لما تحمله من دلالات ومعانٍ، ومما لا شك فيه فإن حكومة السودان قامت بكسر هذه القاعدة تماماً مما لا يجعل لها فرصة أو ثغرة قانونية تعبر بها إلى بر الأمان من «سيدة العدالة»، ويبدو أيضاً أن هذا ما جعل وكيل وزارة العدل يظهر بأكثر من الأريحية والتفاؤل، لما هو مقدم عليه من معركة قانونية لا تقل خطورة من المعركة العسكرية.