وخبير بالمسألة الجنوبية والبحيرات يبعث إلينا بسلسلة ممتازة من المقالات نقرأها معاً إسحاق أحمد فضل الله استمرأ كازيني تجارة الحرب المربحة وعرف أنه يمكن أن يستغل قضية جيش الرب على أحسن وجه، فهو قد نجح حتى في إقناع موسفيني بالمصادقة على أموال طائلة لصرفها للقبض على كوني وإرسال رأسه لأهله الأشولي في قولو هدية عيد الميلاد «الكريمساس» ثم أنه خدع الحكومة السودانية بحجة مطاردة كوني وإعطائهم حق الوصول إليه، الأمر الذي فعلته الحكومة فأثرى هو وجنرالاته من قطع أخشاب التيك على نحو وحشي وبلا هوادة. وكان ما يعتمل في نفس كازيني قبل مقتله هو تطوير أسطورة جيش الرب والوصول إلى ثروات دارفور بدعم حركات التمرد وتكرار ما فعله هو وجنرالات رواندا في الكنغو. وبالنظر إلى أن الجيش الرواندي موجود في دارفور بحجة درء تكرار الإبادة الجماعية، فإن هذه الحقيقة مغرية بالنظر إلى الفائدة الكامنة في وجود حلفائه على الأرض في دارفور على نحو شرعي «تفويض الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي» وقبول الحكومة السودانية «الطيبة». ولكن قبل أن نخوض في تفاصيل خطط اليوغنديين وتطوير أسطورة جيش الرب بالتعاون مع الإعلام الغربي والإرساليات الصليبية ومحكمة الجنايات الدولية التي وقفت حجر عثرة أمام جهود ريك مشار الذي توصل إلى اتفاق فعلي كاد أن يوقع عليه كوني لو لا طلب اعتقاله من محكمة الجنايات الدولية الذي صدر ليفسد جهود السلم ولكي تستمر الحرب، نحدث عن اتفاق، وقد عرف ذلك الاتفاق في عام 2008م باتفاقية السلام النهائية Final Peace Agreement وعرابها ريك مشار تنج الذي ولد في اللير في ولاية الوحدة في عام 1953م لأب هو سلطان منطقة أيود واللير. وكعادة النوير وسلاطينهم خاصة، فقد كان مشار مزواجاً وله أكثر من ثلاثين طفلاً، وكان ترتيب ريك مشار من حيث المولد هو السادس والعشرين، وينتمي ريك مشار إلى عشيرة نوير دوك. ومن حيث الانتماء العقدي فهو مسيحي متعصب ينتمي إلى الكنيسة المشيخية Presbyterian church وهو حاصل على بكالريوس الهندسة من جامعة الخرطوم، ثم حصل على الدكتوراة في التخطيط الاستراتيجي من جامعة برادفورد في عام 1984م، أي بعد عام تقريباً من انطلاق تمرد توريت الذي أفضى إلى تكوين الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق. وريك رجل ذكي تكاد لا تجد له نظيراً في جنوب السودان. ويمتاز بأنه يخفي نواياه وراء ابتسامته التي تفتر عن »فلجة« مميزة وأنف إفريقية ووجه ينضح صحة وعافية وملامح لا تشي للناظر إليه بما يعتمل في ذهنه. وفي بداية حياته الثورية سعى سعياً حثيثاً إلى مناهضة القبلية، بيد أنه عاد وارتد على أعقابه ونكص عن مبادئه تلك نتيجة لصراعه مع قرنق من حيث قاعدة الانطلاق، إذ كان قرنق يومئذٍ وحدوياً، بينما كان ريك انفصالياً مثله مثل سلفا كير. ومثَّلَ اغتيال إيما مكيون موظفة العمل الطوعي البريطانية التي تزوجته عن حب قالت عنه «إنه أكثر دفئاً»، مثل اغتيالها نقطة تحول كبيرة في حياة مشار وفي مسيرة الحركة الشعبية أيضاً، لأن إيما كانت شاهدة على مقتل قادة الاستوائيين وأبناء اللاتوكا والددنقا الذين مثلوا تحدياً كبيراً للدينكا، ولم تكن هيمنة الدينكا ممكنة دون التخلص من تلك القيادات. وشنَّ ريك حربه التي عرفت بحرب إيما Emma,s War ضد الدينكا وأذاقهم مر العذاب وأقسم ألا تقوم قائمة لمدينة يور التي سواها بالأرض. ومازالت قبيلة الدينكا تجتر مآسي تلك الأيام وتنظر إلى مشار على أنه أنه العدو من الداخل، وقد عبر سلفا كير عن ذلك مراراً. وقال إنه يعلم أن مشار عدو ولكن هو مضطر للقبول به. أي ثمة ثمن للتوازنات وحسابات الاستقرار ومراكز القوى. وحدا مقتل إيما، التي كانت حبلى في حادث سير مدبر في نيروبي في عام 1993م، حدا بريك إلى توقيع اتفاقية السلام من الداخل بعد تكوين مجموعة الناصر مع صديقه ابن الشلك حاد الذكاء الدكتور لام أكول أجاوين وغوردون كونغ، الذين أعلنوا عزل قرنق في أغسطس 1991م، وغوردون كونغ من نوير جيكان. وقد عرفت تلك المجموعة بفصيل الناصر. واتخذوا من مدينة الناصر مقراً لهم حتى عام 1995م، ثم تمددوا إلى واط وأيود. وقد أعلن كل من نوير «بُل» مستمدة من أنانيا «2» في منطقة ميوم تحت قيادة الجنرال باولينو متيب، ونوير «لو» من هضبة دوليب بقيادة يوهانس بول، أعلنوا انضمامهم لريك. وعقب سقوط نظام منقستو الأب الروحي للجيش الشعبي الشيوعي يومئذٍ قبل أن يتم تدويره Recycled ليصبح إمبريالياً، تسنى لكاربينو كوانين وفوستينو ايت مقولديت، وكلاهما من دينكا بحر الغزال، اللذين سجنهما منقستو هيلي مريام بإيعاز من قرنق لخطورتهما عليها، سجنهما لحوالى عشر سنوات، تسنى لهما الهرب وانضما إلى فصيل الناصر في 1993م بعد هروبهما من السجون الإثيوبية، وشكل ذلك إضافة حقيقية للفصيل الذي يشكل النوير فيه أغلبية، وتمت إعادة تسمية حركة مشار الحركة الشعبية لتحرير السودان المتحدة. وعين كاربينو نائباً لمشار. وقد فشلت مساعي الرئيس الكيني السابق دانيال أراب موي والإدارة الأمريكية »سبتمبر أكتوبر 1993« في تقريب وجهات نظر قرنق وريك، إذ قال الأخير إن قرنق متسلط ودكتاتور، ورفض التوقيع على إعلان مشترك يفضي إلى المصالحة بين الرجلين.