لطالما اتسمت العلاقة بين الحكومة والمعارضة بالاتهامات المتبادلة بالعمالة والارتزاق من قبَل الطرف الأول في مواجهة الثاني، والعكس صحيح فيما يلي إرسال التهم بالدكتاتورية وعدم الشرعية، والشاهد على ذلك المناظرة الشهيرة التي جرت في فضائية الجزيرة بين القيادي بالمؤتمر الوطني حاج ماجد سوار والقيادي الاتحادي المعارض علي محمود حسنين، حيث أبرز سوار ما قال إنه وثائق تثبت تخابر حسنين وعلاقته مع بعض السفارات الأجنبية بالبلاد. ظلت هذه الحالة سمة بارزة في صراع الطرفين إلى أن جاء احتلال هجليج من قبَل دولة الجنوب في العاشر من أبريل الجاري، لترسل قيادات الحكومة أحاديثها الصريحة والمبطنة في مواجهة من سمّتهم بالطابور الخامس تارة، والمخذلين والمندسين تارة أخرى، وتوعدتهم بالحسم العاجل، ولئن كانت هجليج هي التي أعلت من حساسية الاستشعار لدى الخرطوم فإن ولاية جنوب كردفان التي شهدت أول طلقة حرب في يونيو من العام الماضي فقد رفعت حواس الانتباه تجاه المخذلين مبكرًا، ويعود ذلك حسب البعض لتعاظم خطر الطابور الخامس في تلك الولاية، للحد الذي دفع بحكومتها لوقف خدمة الاتصالات في بعض المدن والمناطق المهمة، لا سيما عند الاستعداد لعمليات عسكرية. كما أن لذلك الطابور يدًا طولى في بعض محاولات الاغتيال التي تعرَّض لها الوالي أحمد هارون، آخرها لدى زيارته لمحلية تلودي في «30» مارس الفائت، وبحسب بعض المصادر، فإنه وما إن غادرت طائرة الوالي المطار بحوالى عشر دقائق حتى انهمر رصاص المدفعية صوب المطار، وفي تعاطيها مع الأزمة ميّزت قيادات الوطني بين جهتين الأولى هي أحزاب المعارضة والمتخابرين خلسة، فضلاً عن الصحافة التي كان لها نصيب هي الأخرى، وفي هجومه على المعارضة دمغها مساعد الرئيس نافع علي نافع لا سيما المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي بالمخذلين، مشيرًا لتأخرهما في إدانة العدوان على هجليج، وعن ذات المخذلين تحدَّث نائب الرئيس د. الحاج آدم يوسف بمدينة الرصيرص عن «ناس معانا بيعملوا بين بين» مضيفًا «الداير التمرد يلحقوا هناك».. إدراك الحكومة لمدى مخاطر العمالة دفعها للتشدد في التعامل معهم مباشرة حتى ولو أدى ذلك لتجاوز الترتيبات المألوفة في هذا السياق، إذ دعا د. نافع لضرورة ترك الطبطبة، ومحاسبة المرجفين مباشرة دون رفع أي تقارير، حتى ولو كانوا من الأقربين، أما الصحافة فقد كان البرلمان سباقًا للإشارة لقائمة أسماء بحوزته صنفها كطابور خامس، مسبغًا صفة الخيانة لكل صحفي يتعامل مع المتمردين بنشر أخبارهم في الصحف، وبدوره قال نائب الرئيس د. الحاج آدم إنهم لن يسمحوا بتمجيد أي متمرد بالصحف، أو أركان النقاش بالجامعات تحت لافتة الحرية. وتشدد الحكومة مع الصحافة تمثله سابقة إغلاق صحيفة (ألوان) مرتين، الأولى لدى نشرها لخبر يتعلق بالعمليات العسكرية عند غزو حركة خليل لأم درمان في مايو «2008م»، والثانية عندما أجرت الصحيفة حوارًا أثنى فيه الضيف على قائد حركة العدل والمساواة د. خليل إبراهيم، حتى إن صاحب (ألوان) علق بالقول: (من بركات خليل أنه أغلق الصحيفة حيًا وميتًا). وممن طالتهم شبهة الخيانة الذين يهرِّبون السلع والمنتجات لدولة الجنوب، ومن فرط اهتمام الحكومة بهذا الجانب أرسل النائب الأول للرئيس علي عثمان رسالة واضحة عندما طالب بإطلاق النار على المهرّبين مباشرة، معلنًا حالة الطوارئ على الحدود. وفي مقابل الهجوم المتواصل لقيادات الحكومة لمن تنعتهم بالخيانة لا يزال الكاتب الصحفي المعروف إسحق أحمد فضل الله من الذين يصوبون انتقادتهم للحكومة نفسها، باعتبار أنها في بعض مكوّناتها تهزم نفسها، وما فتئ يشير لمعتمد هنا، وقيادي هناك من المندسين، ولم يفتر عن الإشارة إلى بعض الوزراء يتهمهم بالعمل عكس سياسة الحكومة. وقد شهدت أحداث ولاية النيل الأزرق العام الماضي تورط بعض قيادات الوطني في الولاية منهم عبد الغني دقيس الذي ضبط في منزله جهاز حاسوب ووثائق تؤكد تخابره لصالح الحركة. ويرى الكاتب الصحفي علي محمد دقاش أن أحداث هجليج وحدت الناس في صف واحد، ومن ثم فالحكومة ترى أن أي موقف مخالف لذلك دلالة على أنه موقف ضدها، لا سيما أن للحركة الشعبية الحاكمة بدولة الجنوب تحالفات مع الأحزاب السودانية في مرحلة ما قبل الانفصال، بل منذ التجمع الديمقراطي، عليه فإن أي أطراف لم تعلن عن موقف واضح من الحركة الشعبية في أحداث هجليج فهي طابور خامس، أما عن جنوب كردفان فقد أكّد وجود الطابور الخامس الذي يمد المتمردين بتحركات القوات النظامية، ولم يستبعد وجود طوابير من هذه الشاكلة في الخرطوم، وإن كان الحد الفاصل بين الطوابير وغيرهم غير واضح الملامح.