هل هذا يعني أن خطة الحركة الإستراتيجية تستهدف التوغل واحتلال الخرطوم؟ نعم، وبدعم من الخارج من قبل جهات تريد تفتيت السودان إلى دويلات ويمكن أن يكون الجنوب مخلب قط لهذه الإستراتيجية وبعوامل عديدة يمكن أن يطول الصراع ولذلك أدعو لجعل هجليج نقطة توقف وتحول للنظر حقيقة في تجميع الصف الوطني وينتابني القلق من بعض لغة الخطاب السياسي من جانب الحكومة والحديث عن العمالة والخيانة وهذا لن يحل المشكلة، وإذا تمعنّا في الموقف بصورة جيدة سنجد أنه مؤسف ولكنه موجود، ونجد كثيرًا من أبناء الشمال يقاتلون مع الجنوب كحركات جبال النوبة ودارفور وبقية القوى السياسية إذا لم تكن شامتة فهي متعاطفة ولو بأضعف الإيمان مع الجنوب.. «مقاطعة» لماذا؟ لأن هذه الظاهرة أعمق من أن تُفسر بالخيانة والعمالة؛ وهي تشير إلى اختلال كبير في الواقع السياسي وقصور في السياسات العامة وإحساس الغبن الذي تشعر به جماعات كثيرة ولا بد من مخاطبة ذلك، كما أن هنالك قوى معارضة تشعر أنها مقصية ومقموعة لهذا خط الدفاع الأول في هذه المواجهة ترتيب البيت من الداخل من خلال إجراء حوارات حقيقية صادقة حول الملفات الوطنية وإشراك الجميع في ذلك لإيجاد حلول لمشكل الأقاليم المتأزمة والوصول لعلاقة سوية بين الحكومة والمعارضة والاتفاق على ثوابت أساسية تطمئن الجميع أنهم شركاء في الهم الوطني وأنه يمكن تداول السلطة بشكل سلمي.. بم تُعلق على دعوة البرلمان لإعلان حالة الطوارئ في ج. كردفان والحدود مع الجنوب؟ لا اعتقد أنها تزيد شيئًا إيجابياً على الواقع، ولا أميل لهذا الاتجاه، والمطلوب فقط عمل سياسي ناضج وعمل عسكري صحيح وسليم وتدابير سياسية تقنع فعلاً من يحسون بأن لديهم مظالم لا بد أن تُعاد ، وهناك بعض المجموعات لا تختلف أجندتها عن أجندة الحركة الشعبية وهؤلاء يجب التعامل معهم كما نتعامل مع الحركة الشعبية، والمجموعات التي تشعر أنها مهضومة الحقوق يجب أن يتم التحاور معها والتعامل معها بواقعية وحصافة سياسية وفاعلية في العمل العسكري.. في رأيك أين تكمن خطورة الفرقتين «9» و «10» على الوضع الأمني في جنوب كردفان؟ هذا الوضع شاذ وغير دستوري ولا يتسق مع القانون الدولي أو الاتفاقية، وهي من أخطاء نيفاشا في نصوص التنفيذ ونحن قد نبهنا على ذلك منذ توقيع الاتفاقية والتي نصت في باب الترتيبات الأمنية أن قوات الجيش الشعبي يجب أن تنسحب جنوب خط 1/1/56م وعلى القوات المسلحة أن تنسحب شماله وأن لا يبقى منهما إلا ما يسمى بالوحدات المشتركة المدمجة التي تجمعها عقيدة قتالية موحدة وهذا كان يجب أن يتم خلال الفترة الانتقالية ولكنه لم يحدث وكان أيضاً من ضمن الترتيبات أن يحدث تخفيض في القوات وليس بناء قوات جديدة وإضافتها، وقد نصت الاتفاقية أن مايسفر عنه الاستفتاء إذا كانت وحدة فإن هذه الوحدات المدمجة تُصبح نواة الجيش السوداني وإذا كانت النتيجة انفصالاً فإن كل العناصر تتجه للجيش الأم لها سواء كانت القوات المسلحة السودانية أو الجيش الشعبي، ولكن ما حدث أن القائمين بأمر الاتفاقية لم ينتبهوا أن هناك ولاية جنوب كردفان وهي بحكم الاتفاقية تتبع للشمال ولها أبناء في الجيش الشعبي ولم يحسموا قضيتهم بحدوث الانفصال، وإذا أردنا الالتزام بحرفية الاتفاقية فمن المفترض أن يذهب هؤلاء إلى الجنوب ويُسرّحوا من ثم يأتوا مواطنين عاديين، ولكن الذي حدث أنه خلال الفترة الانتقالية وعلى عكس مقتضيات الاتفاقية فإن الحركة الشعبية جنوب النيل الأزرق وج كردفان جندّت أضعافًا والحكومة تنظر لذلك، والأسوأ أنها لم تلزم الجيش الشعبي خارج إطار الوحدات المدمجة بأن تذهب جنوب يناير 56م وهذا خطأ في التطبيق، وأكثر من ذلك ما فعلته الحكومة أن تكون هناك مناطق معزولة مستقلة تسمى مناطق الحركة الشعبية والتي لا يسمح لأحد فيها أن يطأها غير منسوبي الحركة الشعبية وهي استغلت هذا الوضع بعمل الأكاذيب وتلقينها للناس وتحريض وتعبئة سالبة ضد كل من لا ينتمي للحركة الشعبية سواء من أبناء النوبة أو غيرهم ومن لا يوالي منهم الحركة الشعبية فهو عميل للعرب والجلابة، وحتى عند الانتخابات لم تستطع الحكومة أن تذهب بمراقبيها لهذه المناطق ومن تجرأ وذهب تم ضربه وطرده.. ولذلك الحركة الشعبية ووفقاً للواقع لم تُرد أن تُحل مشكلة أبناء النوبة لأن هناك رغبة لاستخدامهم مرة أخرى كما اُستُغلوا دون أن ينالوا شيئاً سابقاً وليتم التذرع بذلك ولكن الحكومة بادرت بإمكانية استيعابهم ونجد أنها رغم هذا ضعيفة في تسويق أشيائها بصورة جيدة ولكن هذا المقترح تمت عرقلته بواسطة الحلو لصالح أجندة الجنوب والأجندة الإيدولوجية للحركة الشعبية وندفع ثمنه الآن.. إذن ماذا يجب على الحكومة أن تفعل لحل ذلك؟ أعتقد أن الحل يكمن في كسر شوكة الحركة الشعبية، فنحن كنا دائماً وأبداً مع الحوار حسب المنطق ولكن لن يجدي الآن معها أي حوار إلا بعد كسر شوكتها وعدم ذلك لن يجعلها تأتي للمنطق السوي فمنذ انتهاء الانتخابات وخسارتها فيها رغم تزويرها فيها وعُرض عليها نصف الحكومة ومنصب نائب الوالي كل ذلك رُفض لصالح أجندة الحرب وهذا إجرام وكان من المفترض أن يُعمل بحرفية القانون والحق وكان لابد من عقابها ولكن في السياسة الأمور لا تُعالج بهذه الكيفية ومن ثم طُرحت مبادرات كثيرة من جهات عدة إلى أن عرض رئيس الجمهورية وقف إطلاق النار من طرف واحد قابل للتجديد لتهيئة الأوضاع للتفاوض ولكن لأن الحركة في الأصل لا تريد إيقاف النار ولا تريد إلا تنفيذ مخططها واستمرت الحرب بتدمير المرافق الخدمية في جبال النوبة وأصبح هناك فاقد تربوي وصحي وهذا ما يعجبهم بأن يعزلوا الجماهير من النخبة الواعية بوسيط من الجهلة والمجرمين والذين تستخدمهم الحركة الشعبية لدمغ كل من لا ينتمي إليها بالإشاعات أيضاً الإفساد الأخلاقي بكل ما تشمله الكلمة من معنى من ترويج المخدرات وتحويل المواطنين إلى متلقي إغاثات والتي تستنكرها أخلاقيات وقيم قبائل جبال النوبة لأنه ليس لديها سقف أخلاقي يمنعها، وعندما دخلت معهم قبلاً في حوارات وجدت أنه لا رجاء منهم لأنهم لا يتسمون بالوعي الكافي لحل القضايا. هل بما حدث في هجليج يمكن القول إن اتفاقية نيفاشا لاغية؟ ليس بهذا الإطلاق، لأن معظم الاتفاقية تم تنفيذها من قسمة السلطة والترتيبات الأمنية وغيرها وأهم ما فيها تقرير المصير الذي تم، وتم كذلك الاعتراف بالدولة الجديدة ولا يمكن القول إنها لاغية لأنها ستُدخل الحكومة في صدام مباشر مع المجتمع الدولي ولكن يمكن القول إنه بهذه الأحداث يتم تغيير التعامل في الملفات العالقة كمسألة الحدود والنفط وأبيي، فأبيي إذا احتكمنا إلى بروتوكولها فأعتقد أن الحركة الشعبية بتصرفاتها هذه على وشك أن تخسر قضية أبيي ويجب تصحيح أخطاء أبيي بهذه الظروف وبعد تحكيم لاهاي أصبحت الخطوة استفتاء أبيي والذي فيه خلاف حول من يصوت دينكا نقوك أم السودانيون الآخرون، والآن يجب التمسك بحرفية البروتوكول وبيدنا الآن تحديد معايير الإقامة وإذا لم يأتوا للاستفتاء فإن أبيي باقية في الشمال إلى أن يجري الاستفتاء والآن هناك فرصة أكبر للتحكم في مستخرجاته لصالح الشمال ويجب التعامل معها بمنطقها العدائي وعلى الحكومة التمسك ببروتوكول أبيي ومعاييره إذا قبلت الحركة بذلك مرحباً وإذا رفضت تبقى أبيي في الشمال، أما إذا أرادت فتح ملفات المناطق التي ضُمت في العهد الاستعماري وأتساءل لماذا سكت المفاوض عندما أثارت الحركة الشعبية قضية أبيي، فهناك منطقة كاكا التجارية التي تتبع لمنطقة جبال النوبة وضُت في الثلاثينيات للجنوب، والمفاوض الحكومي لم يتعرض لها ولا ألوم حسن النوايا ولكنها الغفلة وأرى أن الأمور بعد هجليج يمكن أن تستقيم أكثر لصالح السودان ولكن هذا يتوقف على إستراتيجية الحكومة فيما يتعلق بالقضية والجبهة الداخلية، وأما إذا أراد البعض المتاجرة بالأزمة فهذا شيء غير جيد وأن يتخذ منها سلماً لدمغ الآخرين، فالحكومة تاجرت بنيفاشا وعندما وقف البعض ضد سلبيات نيفاشا وصمتهم الحكومة بأنهم ضد السلام والاستقرار..