ليس بمستغرب أن تتعرض الدولة الإسلامية في السودان إلى كل أنواع الكيد والمكر والحرب. تلك سنة الله الجارية مع الدعوات ورسالات الأنبياء والدول التي تؤسس على تلك الرسالات. إنها سنة الله سبحانه في الخلق لن تجد لها تبديلاً ولا تحويلا. هذه الحقيقة معلومة من الدين بالضرورة ولكنها غائبة عن أذهان الكثير من القائمين بالأمر وعلى غيرهم من المهتمين بتمكين الدين في أرضنا. وكأن الخيار الخيار الإسلامي عمل مرحلي أوتكتيكي وليس خيارًا إستراتيجيًا يُبذل في سبيله النفس والنفيس وكل مرتخص وغال. قبل ثورة الإنقاذ والبدء في تأسيس الدولة كنا نعطي خط الإنجاز السياسي اهتمامًا أكبر من عنايتنا بالإنجاز التربوي وكأننا نريد اختزال رسالة الإسلام ومهام الجماعة المسلمة في نظام الحكم مع أن الإسلام منهاج ونظام حياة كامل شامل. إهمال الجانب التربوي وعدم متابعته بالجدية المطلوبة جعلنا نهتم بكثرة الأتباع ونسينا أو تناسينا أن الدولة الرسالية تعتمد على عناصر الخلوص والنقاء وهم الآن قليل وهم على قلتهم قعود لا يدرون لمن يشتكون وبمن يتصلون فالأبواب موصدة. لقد قامت الحركة الإسلامية الحديثة على عشرة أركان هي «الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، الثقة» فمن منا قد استوفى وتحصل على الدرجة القصوى؟ استفت قلبك وإن أفتوك. لو درسنا الجهد النبوي لأدركنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبَّ كل جهده في بناء الإنسان الرسالي الرباني الخليفة. الإنسان الداعية والعالم والمبلغ والعسكري والسياسي والمجاهد والقاضي والتاجر والفيلسوف والمترجم والطبيب والمالي والاقتصادي والجمهور المسلم الواعي الذي تجد فيه صدق الانتماء للعقيدة والوطن «دار الإسلام» ويذود عنه في ساعات الخطر الداهم ويصبر في البأساء والضراء وحين البأس. أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة لا تتحقق الا بإنسان الاستخلاف الذي هوالتقي الورع الزاهد، البطل المجاهد، الفقيه المجتهد، القاضي الفهم، السياسي المحنك، الإمام في كل شيء. إهمال الجانب التربوي أبطأ دخول حركة التدين قطاعات واسعة مهملة وخطيرة كالقطاع الرياضي مثلا بل حوربت محاولة اقتحام هذا القطاع وجيء بماسونيين معروفين ليحاربوا المحاولات الخجولة التي بُذلت لتأصيل هذا القطاع وحيل بيننا وبين ما كنا نشتهي. ثم إن كثيرًا من الناس قد ابتُلوا ببعض أمراض القلوب وآفات النفوس وهي والعياذ بالله الافتنان بالشهرة والتطلع إلى الصدارة وحب القيادة والزعامة. واضح كل الوضوح أن منا من يحب السلطة ومنا من يحب الجاه ومنا من يحب كنز المال ومنا من يحب الظهور الذي طالما قصم الظهور. لقد عجزت الأجهزة والآليات التي بأيدينا كل العجز عن العمل الدؤوب المستمر، المساجد لا تؤدي رسالتها كما ينبغي مع أنها الوسيلة الإعلامية الأولى التي تعتمد عليها الدولة الإسلامية عند نشأتها وأثناء مسيرتها. أما الجمعيات والمنظمات الطوعية الدعوية التي قامت أو ظُن أنها قامت من أجل بناء الإنسان وإعادة صياغة المجتمع المسلم فحدث عنها ولا حرج، كلها قاصرة ومقصرة ولا أحد يتابعها ويحاسبها. والدولة الرسالية الذراع الأهم لها بعد التربية هوالإعلام فلا ارتقاء ولا تقدم إلا باعتماد سياسات إعلامية تربوية ناضجة، يقول الأستاذ عمر عبيد «الإعلام تعليم مستمر وتربية مستمرة وثقافة مستمرة وإن وسائل الإعلام هي أدوات التنمية الحقيقية للأمم، إنها تصنع الأمة وتصنع بها». إعلامنا قاصر لم يبلغ سن الرشد بعد وإن بلغ سن النكاح!! لا تقوم أجهزته المختلفة بالدور المنشود في مواجهة التحديات ورد الشبهات التي تثار صباح مساء في الداخل والخارج. إن مشروعًا رساليًا ضخمًا ضخامة الرسالة الإسلامية يتطلب حشد كل الإمكانات وتوظيف كل الطاقات والاستفادة من كل الكفاءات حتى تصل الحقائق ناصعة لكل مسلم وغير مسلم في الأرض حتى يتوفر التأييد الواعي والسند المطلوب للدولة الرسالية لا للأشخاص ولا للأحزاب والهيئات. استطاع جمال عبد الناصر نشر باطله برجلين إعلاميين موهوبين يجيدان التدليس والتغبيش فرّغهما لمهمة التضليل: صحفي معروف بشّر بالفكر الذي قاد إلى الهزيمة، ومذيع لعلع صوته هادرًا بالأكاذيب والأباطيل فكيف يفتقر الإسلام الحق لموهوبين مخلصين هل عقمت حواء المسلمين؟ إن الإسلام إعلام وبلاغ لمن لا يعلمون ودعوة ورسالة للعالمين أنه حريص على كل قلب بشري أن يتلقى من النبع الصافي لعله يتفتح ويستجيب. إننا للأسف جعلنا وزارة الإعلام كوزارة التربية وزارة هامشية من وزارات الترضيات مع أن القيادة الإعلامية يجب أن تكون من أرقى القيادات في الأمة وأدقها تخصصًا مهمتها توجيه الحاكم وترشيد المواطن وصد الغزو الفكري والثقافي والحضاري الرهيب. أما غياب التربية الحقة والإعلام الرسالي الهادف فلا تعجب إذا نشط أصحاب النشاط الهدام وتحركت الأقلام الحاقدة على الإسلام والمسلمين من بقايا الأحزاب اللادينية التي أسسها مليونيرات اليهود العرب ونصارى الشام، ما العجب إن كال عشاق السلطة والسطوة شرهم ما استطاعوا من شر النية وشر القول وشر العمل. لعلنا نعلم أن المسلمين الأوائل أدركوا أهمية الإعلام فاستحدثوا دائرة الدعاية وأول من استحدثها معاوية رضي الله عنه وكانت قبله مع دائرة الخارجية للدعوة الى الإسلام ففصلها وحوّلها للدعاية للدولة في الداخل والخارج. اليوم لا الإعلام ولا الخارجية وزارات دعوية رسالية. لا بد للإعلام من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات حتى لا تصيبنا معرّة بغير علم تسوؤنا وتفرح أعداءنا.