فقدت حركة العدل والمساواة بعد مقتل قائدها خليل إبراهيم بوصلة الاتجاه إلى الحقيقة فقد كان يمثل لوحده (أغلبية) في جسم هذه الحركة المتمرِّدة فهو (المموِّل) الأكبر لمعظم أنشطتها وهو العقل المدبِّر ولم ينازعه أحد حتى تاريخ مقتله في هاتين الميزتين (التمويل والزعامة) بل كانت معظم مقاليد الأمور بيده وخاصة تلك التي لها صلة بتوفير الأسلحة والآليات العسكرية الأخرى مستفيداً في هذه الناحية من صلاته الوثيقة بالعقيد/ معمر القذافي الذي وفَّر له ولحركته الكثير من الدعم واستضافها ورعاها بنفسه داخل الأراضي الليبية، ثم دارت الأيام، والأيام بين الناس دول فقُتل خليل وراح القذافي في (زنقة زنقة) وجرت مياه كثيرة تحت الجسر وتاهت حركة العدل والمساواة ما بين صحراء ليبيا وأدغال الجنوب وطفقت تتخبّط في المسار نحو الهاوية بتصرّفات رعناء تدل على افتقار المجموعة المتبقية من هذه الحركة لزعامة راشدة، بجانب افتقارها لبرنامج سياسي واضح السمات والمعالم، لذلك لم تلحق باتفاق الدوحة، ولم تطرح رؤية تبرِّر بها عدم التحاقها بقطار السلام، بل ها هي تخرج عند كل صباح بحدث يدل على همجيتها وعزمها على الإضرار بالوطن وإلحاق الأذى بمواطنيه وترويعهم بجانب نهب الأهالي العزل كما يفعل قُطّاع الطرق واللصوص، ففي الأسبوع الأول من أبريل المنصرم تسلَّلت مجموعة من هذه الحركة إلى محلية عسلاية بولاية شرق دارفور وهناك قاموا بنهب عربة محمّلة بالسكر وقتلوا مجاهدًا من منسوبي الدفاع الشعبي، وفي النصف الثاني من نفس الشهر قامت مجموعة أخرى من هذه الحركة بمهاجمة (سيسبان) التابعة لمحلية (كتيلا) بجنوب دارفور ثم اعتدت على سوق المنطقة ونهبت منه وقودًا ودمَّرت برجًا للاتصالات وبعدها بأيام قامت بالهجوم على مناطق حول جبل مرة ونهبت المواطنين ثم اعتدت على (أم دافوق) وشاركت في الاعتداء على مناطق في الأنقسنا مثل (مقن) و(جيلقو) و(قبانيت) ثم سقطت في الهاوية حين وافقت على المشاركة في الهجوم على (هجليج) ومعاونة جنود دولة أخرى في الاستيلاء على قطعة عزيزة من أرض الوطن وبذلك سجلت هذه الحركة سابقة في الخيانة العظمى لم يسبقها إليها أحد من قبل، كيف توجِّه الحركة فوهات بنادقها نحو صدور أبناء وطنها من القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والمجاهدين وتقاتل في صفوف أعداء وطنها. إن الحرب التي دارت رحاها في هجليج هي حرب بين دولتين، والولاء لتراب الوطن يلزم كل المواطنين بالدفاع عنه سواء أكانوا في صفوف الحاكم أم معارضين له، ولو أن مقاتلي حركة العدل والمساواة رفضوا الانصياع للأوامر التي صدرت إليهم بالتوجّه إلى هجليج والمشاركة في الاستيلاء عليها، لو أنهم فعلوا ذلك لقلنا إنهم مواطنون شرفاء وإنهم يستحقون منا التحيّة والاحترام ولكن انصياعهم لأوامر العدو يضعهم في قائمة الخونة بدرجة (الخيانة العظمى) وهي الدرجة التي لا يستحق صاحبها العفو العام، ولقد أحسن الأستاذ/ أحمد إبراهيم الطاهر وصف هذه الحالة حين قال مخاطباً قافلة متجهة إلى هجليج بزاد المجاهد: (لا عفو عام عن الحركات المسلحة الذين باعوا ضمائرهم ووطنهم ودينهم وتدنسوا بالعار)، ونحسب أن رئيس المجلس الوطني كان محقاً في اختياره للكلمات المناسبة لتوصيف الحالة التي وصلت إليها هذه الحركة من الخزي والعار، تأمل كتاب التمرّد في السودان الحديث ستجد أن معظم حركات العصيان كانت في نزاع مع المركز حول قضايا مثل السلطة والثروة والتنمية وأن معظم هذه الحركات وجدت أن الحوار هو الحل الأنسب لهذه القضايا ولكن الذي يتأمل في مسار (العدل والمساواة) منذ نشأتها الأولى يلحظ أنها حركة ذات نهج غريب فقد ظلت ترفض باستمرار خلال رئاسة خليل للحركة كل دعوات التفاوض ثم مضت بعد وفاته في زعزعة أمن المواطنين وترويعهم ونهب الأسواق وتخريب المنشآت. إذن (العدل والمساواة) بمسلكها الأخير حكمت على نفسها بالخيانة العظمى وهو الأمر الذي ينبغي أن يجد حظه من النقاش وخاصة في المجلس الوطني؛ لأن التمرُّد والعصيان شيء وخيانة الوطن شيء آخر ونحسب أن كلمات رئيس المجلس الوطني التي أشرنا إليها تمنحنا بصيص أمل في أن يتكرَّم النواب الكرام في المجلس الوطني بمناقشة هذا الأمر في إطار مداولات المجلس حول تداعيات الاعتداء على هجليج، كما أن لنواب المجلس الوطني دورًا آخر ينبغي أن يقوموا به وهو تنوير قواعدهم بالذي جرى في هجليج، وخاصة الخيانة التي ارتكبتها حركة العدل والمساواة في حق هذا الوطن العزيز.