وُلدت طفلة تسمى كوشيه في منطقة بنهر النيل على منطقة جبلية تسمى الكربة في قلب الرباطاب حيث إن هذه المنطقة ترابط فيها عدة قبائل عربية وجل أراضيها من الحجارة الصلبة إلا القليل منها من الأراضي يستخدمه أناس في المنطقة للزراعة لزوم أكل العيش وبعض الأعمال اليدوية من أشجار النخيل والطلح وأشجار الدوم المنتشرة وأعمال الزعف من لحاء هذه الأشجار التي تنتشر هنا وهناك بالإضافة للنيل الذي يجرى في واديه العتيق يجمل هذه المنطقة بخضرة ضفافه بأشجارها وحشائشها التي تبعث السرور في النفس. معظم أهالي تلك المنطقة الذين يسكنون في الحضر بعد أن أبعدتهم ظروف حياتهم من القرية قليل منهم يربطه الحنين لبقايا الأهل والأحباب فهم دائماً ما يأتون لهذه القرية في إجازات أولادهم المدرسية لقضاء العطلة الصيفية في ربوع قريتهم المحببة لنفوسهم، بعض منهم لم يجيء لظروف الحياة القاسية التي كانت سبب حرمانهم. كوشيه الطفلة اليافعة البشوشة تقنعك بقهقهتها العالية ذات الصوت الجرسي الجميل، كانت مشاكسة وكل أهل القرية يحبونها لحيويتها ومشاركتها وتواصلها مع أهل القرية ولا تمر مناسبة وإلا وكوشيه تكون موجودة بها وإن لم تأتِ أفتقدها الجميع وسرعان ما بادروا بمعرفة سبب عدم حضورها للاطمئنان إليها. كوشيه هذه من قبيلة عربية اسمها البشاراب يقال إن هذه القبيلة أصلها من العبابدة الشناتير تمتد جذورها من منطقة أسوان بجمهورية مصر العربية منذ آلاف السنين حيث يستقر المقام بها هناك وتنتشر بفروعها داخل السودان في ذات صباح من الأيام كانت كوشيه تذهب مع مواشيها لزوم الرعي وبجانبها المرح في حركتها النشطة وهرولتها ذهاباً وإياباً في سرور دائم، وبينما هي ذاهبة في قلب هذه الصحراء وهي متوغلة لفت نظرها شيء له بريق غير عادي يشع كالنجم في ليلة ظلماء وتسوقها خطاها إلى هذا البريق فإذا هو خاتم يشع يجلب السرور في القلب والنفس، فما كان منها إلا أن تناولته في لهفة ونظرت إليه مليًا، وفجأة فقدت بصرها وصارت تصرخ وتعول وتجري فرأى كلب لها هذا المشهد الذي لم يعتده فصار مسرعاً نحو الحلة ينبح بصورة متواصلة في الحلة ثم يعود فشك العقلاء من تصرف كلب كوشيه فأدركوا أن هناك مكروهاً قد ألمّ بابنتهم فركبوا الحصين وحملوا أسلحتهم وماءهم وقليل من الأكل واتجهوا نحو الكلب وما إن رآهم الكلب متجهين نحوه مسرعين حتى انطلق أمامهم متوجهاً إلى ست الحسن كوشيه وصاروا يهرولون ويهرولون حتى أوصلهم الكلب إلى أبنتهم كوشيه التي وجدوها قد فارقت الحياة بسبب الجهد الذي بذلته بسبب الخوف والنواح «البكاء» وهرولتها بصورة مستمرة حتى عطشت وارتمت في قلب الصحراء سوداء اللون ناشفة من شدة العطش فحزنوا عليها وبكوها طويلاً وتمنوا أن تعيش وسطهم وهم سعداء بها ولكن إرادة الله هي الباقية. بكرى على التاي 0926146046 دفاعًا عن وزير الدفاع تألمت كثيرًا عندما وجدتُ أن العنوان الرئيس بصحيفتكم الغراء يوم الأحد 15/ 4/ 2012م كان على النحو التالي:- «نواب الوطني بالبرلمان يطرحون سحب الثقة عن وزير الدفاع»، تألمت لأسباب كثيرة منها: تعود بعض الناس على نسيان ان النعم في طي النقم «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم» وأصبحنا نتعامل بعقلية من يجعلون المدرب شماعة وكبش فداء بعد هزيمة واحدة وجاءت عقب انتصارات مدوِّية لا يذكرونها، ويقول المثل «لا عيب أن تسقط ولكن العيب أن تظل حيث سقطت»، والمثل السوداني «العترة بتصلح المشي»، نسينا أن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب ولكن صدق من قال إن للانتصار أكثر من أب والهزيمة لا أب لها.. كان من الأجدر أن نثق بقياداتنا ولا تنكسر العزائم وألّا نصاب بالإحباط فالهزيمة النفسية أخطر من فقدان معركة كان علينا أن لا نستعظم الهزيمة على رحمة الله التي وسعت كل شيء ونحن بحمد الله لم نحترق إنما أصابتنا شرارة وأيقظت فينا الحواس إن الله هو الذي يخرج الحي من الميت وهو الذي يخرج القوة من الضعف وهو الذي يحول الهزيمة إلى انتصار والسم الذي لا يقتلني يزيدني قوة وأصبحنا الآن أكثر خبرة ودراية وسنتعلم من أخطائنا إن شاء الله.. ولأن المعارك قد تستمر فلا بد أن نستعد من التاريخ وهاكم بعض الدورس والعبر والتي استُخلصت بعد معركة «أُحد» ووردت في الآيات التي بدأت بها مقالي، قال الإمام القرطبي «إن الله عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد بقوله ولاتهنوا «أي لا تضعفوا ولا تجبنوا من جهاد الأعداء «ولا تحزنوا» على ما أصابكم «وانتم الأعلون» أي ستكون العاقبة لكم بالنصر والظفر.. ان الحرب سجال والأيام دول والحرب يوم لك ويوم عليك. «وتلك الأيام نداولها بين الناس» والمؤمن أمره كلة خير، فلا بد ان تأتي على الناس ايام فيها «الفرح والغم الصحة والسقم الغنى والفقر». الأخ وزير الدفاع الفريق اول ركن عبد الرحيم محمد حسين ظل ممسكًا على الزناد ومكتويًا بنار القضية طوال سنوات الإنقاذ كنا لا نحارب فقط الجنوب وانما نحارب من يقف من ورائهم امريكا واسرائيل ومن شايعهم، كانت الحرب ضدنا من كل دول الجوار مصر، ليبيا، تشاد، افريقا الوسطى، كينيا، اوغندا، اثيوبيا، اريتريا». والآن بحمد الله تغيرت الظروف واطاح الإعصار العربي بعضهم وتحسنت علاقتنا ببعضهم الآخر وتبقت اوغندا التي نسأل الله ان يرينا فيها يومًا اسود كيوم عاد وثمود.. لماذا ننسى كل هذه الابتلاءات التي صبرت فيها قيادات الإنقاذ ومن بينهم الأخ عبد الرحيم. لماذا لا نذكر له انه فارس الانتصارات مع اركان حربه في جنوب كردفان ويكفيه فخرًا انه كنس التمرد الأخير في النيل الأزرق وجعل ذلك المتغطرس مالك عقار يولي الأدبار مذعورًا. الأخ عبد الرحيم هو الذي ساهم بأن يوفي بوعد رئيس الجمهورية بالصلاة في النيل الأزرق وقد فعل. ساهم في تحديث القوات المسلحة وتطوير اسلحتها وتصنيعها من الأسلحة الخفيفة حتي الدبابات والطائرات الحديثة.. لم أكتب عنه طوال «23» عامًا... وكتبتُ الآن لأنني لستُ من الناكرين للجميل.. عليه أرجو أن نجدد ثقتنا في القوات المسلحة وفي قياداتنا وأن نوقف المفاوضات اذا كان لها اثر سالب قبيل المعارك الأخيرة أن نتصف بالحيطة والحذر تجاه المرجفين والطابور الخامس وأن نقوي الجبهة الداخلية ونعزز جهود الوحدة الوطنية وأن نأخذ العبر من الحدث الأخير ونعالج السلبيات والأخطاء ونهتم بضروريات الناس من قوت وتعليم وصحة وأمن وطاقة. محمد عبد الحليم محمد