أهم ملمح ورسالة في زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى مدينة تلودي أمس وحديثه لقيادات جنوب كردفان والقوات المسلحة وأمام المصلين، ليس في أنها عكست جسارة هذه المدينة الباسلة والصامدة والصابرة، وأنها آمنة ومطمئنة، ولن تطأها أبداً أقدام المتمردين، ولكنها «أي الزيارة» أفصحت عن الموقف السياسي بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن السودان وعلاقته مع جنوب السودان، فالحكومة ماضية في تطهير التراب الوطني من عملاء الحركة الشعبية ودولة الجنوب، وتسعى لحسم التمرد وطرد مرتزقة حكومة جوبا وقطع شأفة الحركة الشعبية في جنوب كردفان، وتجديد العزم على دخول منطقة كاودا وتحريرها وإنهاء أي وجود لبقايا الجيش الشعبي. فالداخل السوداني مخاطب بهذه الزيارة المهمة لتلودي وتلاحم الرئيس البشير مع قواته ومواطنيه، لكن الرسالة للخارج هذه الأبلغ والأصوب، في هذه الظروف والأيام التي تتكاثف فيها المؤامرات والدسائس على هذه البلاد وأهلها، ويتولى مجلس السلم والأمن الإفريقي وزر قرار مجلس الأمن الدولي وتداعياته على السودان في حال انسياق ما يسمى بالمجتمع الدولي وراء هذه المكائد وموالاة القوى الدولية المسيطرة على القرار في المنظمة الدولية لدولة الجنوب التي صارت منصة وقاعدة للعدوان والتآمر على السودان وستكون طامة كبرى على كل المنطقة. وما من رد يُعبِّر عن إرادة السودانيين، أكثر من قوة تماسكهم وحرصهم وحراستهم لسيادتهم الوطنية والعمل الجاد دون وجل أو التفات لتطهير كل شبر من وطنهم وحمايته من العدوان، فزيارات الرئيس لهذه المناطق وفي عين إعصار أحداثها وفوهة بركان وفوران أوضاعها، هي التي تبعث روح صلابة هذا الشعب وتعبئ طاقاته الروحية وتشحن الوجدان الوطني بالاعتزاز والفخر والحماس والقوة، وهي كلها السبيل الوحيد لصناعة سياج قوي حول بلدنا لا يستطيع أي معتدٍ ومتآمر أن يخترقه أو يعبث فيه أو يجند العملاء من أجل تمزيقه وتخريبه وتركيعه.. وآن الأوان للدولة أن تجعل من معركة تحرير وتطهير التراب من الجيش الشعبي وما يسمى بالحركة الشعبية قطاع الشمال، وحركات دارفور المنضوية تحت راية الجبهة الثورية وهي صنيعة دولة الجنوب وحكومة جوبا، هي معركة كل السودانيين، فالأفكار متقاربة بين كل القوى السياسية الوطنية إلا من أبى، والمواقف متطابقة، ولا يوجد سوداني واحد يقف عند البرزخ أو الحد الفاصل في في داخل المنطقة الرمادية، فما من فرصة أفضل من هذه لنسج عباءة التوافق والوفاق الوطني بين كل الفرقاء في البلاد وإشاعة روح التسامح وفتح صفحات جديدة للم الشمل، وتقريب البعيد وإدناء القاصي واحتضان المشاغب، ومد الأيادي بيضاء من غير سوء لكل من يخالف ويناهض، إن رأى أن الوطن عنده غالٍ والتراب ليس رخيصاً إلى درجة بيعه على الرصيف. نحتاج في مثل هذه الظروف وكما بدا من خطاب الرئيس، أن نمضي خطوات في إعداد رؤية أوسع وأشمل وأنجع لمواجهة الظرف الراهن بمؤامراته المعلنة والمستترة، ولا ملجأ بعد الله إلا لهذا الشعب الذي وافى وقابل الحكومة بتأييد ووفاء وصبر جميل، فعلى الحكومة أن لا تقبع في وسادة الزخم العارم لرضى الناس عنها، فقط عليها أن تستثمر ذلك وتمضي للأمام تجمع حولها كل الرموز الوطنية وقيادات القوى السياسية والاجتماعية وتعد نفسها لمعركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية وعسكرية كبرى، فإن تحصّنت بالشعب أفلحت وأفلح السودان، وإن ركنت صارت إلى ركن قصيٍّ من الخذلان والبوار.